حرب خفية تحت المجهر.. «بكتيريا شبحية» تخدع مناعة النباتات

في عالم مجهري يعج بالمواجهات بين النباتات والميكروبات، كشفت دراسة علمية جديدة عن "خدعة كيميائية" بارعة تستخدمها البكتيريا لتفادي أنظمة الدفاع النباتية، في سباق تسلح تطوري يشبه أفلام الجواسيس.
ومثل البشر، طورت النباتات، أجهزة مناعية متقدمة لرصد الميكروبات المهاجمة، وأحد خطوط الدفاع الأساسية لديها هو التعرف على "بصمات ميكروبية" تُعرف باسم " PAMPs"، مثل بروتين الفلاجيلين، المكوّن الرئيسي في سوط البكتيريا الذي يساعدها على الحركة.
كيف يمكن نقل النباتات إلى بيئات أكثر أمانًا بدون أضرار؟
لكن البكتيريا ليست بهذا الغباء، ففي سيناريو أقرب إلى التنكر، تغلف نفسها بسكريات خاصة تخفي الفلاجيلين عن أعين أجهزة الاستشعار النباتية، وفي رد فعل ذكي، طورت النباتات إنزيمات "تكشف القناع"، حيث تقوم بإزالة هذه السكريات لتفضح الميكروب وتُطلق صفارات الإنذار المناعي.
لكن هنا يأتي الدور الأخطر، حيث أظهرت الدراسة التي نُشرت في دورية "ساينس" أن بعض البكتيريا، مثل " الزائفة الزنجارية "، تفرز مركبا نادرا يسمى "جليكوسيرين" هذا المركب يعمل كـ"درع كيميائي" يمنع النباتات من إزالة الغطاء السكري، لتبقى البكتيريا متخفية داخل أنسجة النبات وتعطل نظامه الدفاعي من الداخل.
ووصف البروفيسور فرانك شرودر من معهد بويس طومسون، الذي قدم تعليقا تحليليا حول الدراسة، هذه الخدعة البكتيرية بأنها "فعالة بشكل مذهل"، إذ لا تقتصر على التخفي فقط، بل تعير من تركيبة السكريات في خلايا النبات، ما يخلق بيئة مثالية لتكاثر البكتيريا ويضعف مقاومة النبات.
والأخطر من ذلك، أن الجينات المسؤولة عن إنتاج "جليكوسيرين" موجودة لدى أنواع متعددة من البكتيريا الضارة، ما يجعل هذا السلاح الكيميائي منتشرا في عالم الأمراض النباتية.
لكن القصة لا تنتهي هنا، فهذه المركبات المعروفة باسم "إمينوسوغارز" تُستخدم بالفعل في علاج أمراض بشرية مثل السكري من النوع الثاني وبعض الاضطرابات الجينية، ما يفتح الباب أمام استخدام "جليكوسيرين" في تطوير أدوية جديدة.
ومن الجانب الزراعي، يمنح هذا الاكتشاف العلماء فرصة لتطوير محاصيل أكثر مقاومة للبكتيريا، ما يقلل الاعتماد على المبيدات ويحسن الأمن الغذائي عالميا.