بعد 3 سنوات من الترميم.. قصر الغصين الأثري يعود للحياة في غزة
من بيت أثري فلسطيني مهمل، تحوّل قصر الغصين في مدينة غزة القديمة، إلى مركز ثقافي يخدم المجتمع المحلي وينبض بالتراث الغزاوي.
وبتكامل الأدوار بين مهندسين وخبراء آثار، دبت الحياة في القصر التاريخي الأثري بعد عملية ترميم استغرقت 3 سنوات.
وافتتح قصر آل الغصين وسط حضور نوعي من مثقفين وفنانين وأكاديميين وشخصيات اعتبارية في أجواء مفعمة برائحة التاريخ وأصالة الماضي.
تحفة معمارية
ويوضح المهندس عدنان أبو غزالة، ممثل عائلة الغصين، أن القصر أحد التحف المعمارية حيث بني في حي الدرج ويعود إلى العهد العثماني في أواخر القرن 18 ميلادية.
وأكد أن حرص المالكين على الحفاظ على الهوية والتراث هو الدافع الرئيسي خلف عقد الشراكة مع مركز إيوان لترميم البيت وإعادة تشغيله كمركز ثقافي مجتمعي، مشيرًا إلى أن وفاة مالكة البيت بعد توقيعها لاتفاقية التعاون لم يمنع الورثة من الاستمرار في الالتزام بالاتفاقية مع مركز إيوان لاستكمال أعمال الترميم ومن ثم إعادة التشغيل.
وتحقق الحلم..
لبنى النابلسي- ممثل معهد جوتا الألماني في غزة، أحد الجهات الداعمة لعملية الترميم، أشارت إلى أن مركز إيوان بالشراكة مع مركز المعمار الشعبي رواق بالضفة الغربية بدأ عام 2020 بدراسة آلية الحفاظ على هذا الصرح الأثري.
وبينت أن ذلك جاء من خلال إعادة صياغة مفرداته، فوضعت التصاميم الإنشائية والمخططات المناسبة لإعادة الترميم والتأهيل لهذه القيمة التاريخية والمعمارية.
وقالت: "ها هو الحلم يتحقق وتعود الروح والحياة من جديد إلى بيت الغصين، حيث سيتم استخدامه مركزاً ثقافياً ينبض بالتراث والحكاوي الغزاوية الفلسطينية القديمة".
وقصر الغصين التاريخي ضمن النسيج الحضري القديم في غزة كان حاله كحالة جميع البيوت التي تتعود للفترة العثمانية تراكمت عليه الأضرار والرطوبة والأملاح والتشققات الخطيرة.
واتفق مركز إيوان المختص بالبيوت الأثرية، مع مالكي القصر على ترميمه، على أن يجري استخدامه مركز ثقافي مجتمعي لعدد معين من السنوات، وهو ما تم فعلا.
كنوز البلدة القديمة
بدوره، بيّن الدكتور أحمد الأسطل مدير مركز إيوان أن ترميم القصر جاء لأهمية المباني التاريخية من الناحية المعمارية والثقافية، مشيرا إلى حرص المركز على إعادة ترميم هذه المباني وتأهيلها.
وقال: تمكن مركز إيوان من الحصول على تمويل من الحكومة الألمانية لترميم وتأهيل هذا الصرح الثقافي باعتباره أحد كنوز البلدة القديمة "قصر الغصين الأثري"، مقدما شكره لمعهد جوته والحكومة الألمانية على دعمهم للتراث الثقافي الفلسطيني.
رئيس بلدية غزة، يحيى السراج أكد أهمية الحفاظ على الأماكن الأثرية ورمزيتها الحضارية والتي تعبر عن البعد الحضاري والتاريخي للمدينة.
وأوضح أن المرحلة القادمة ستشهد تنفيذ عدة مشاريع لترميم أماكن أثرية في المدينة بالتعاون مع مركز " إيوان " أبرزها: مشروع لترميم الجدار الواصل بين كنيسة " القديس برفيريوس " ومسجد كاتب ولاية، ومشروع ترميم مدرسة الكمالية الأثرية.
وأشار إلى قرب الانتهاء من مشروع ترميم البنية التحتية في سوق القيسارية، المرحلة الأولى، الذي تنفذه البلدية بالشراكة مع الكلية الجامعية، موضحًا أن المشروع يحسن من واقع البنية التحتية وكفاءة شبكات المياه والصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار في المكان.
عظمة الحضارة الفلسطينية
ويوضح الباحث ناهض زقوت أن هذا المبنى هو واحد من عشرات المباني الأثرية المنتشرة في قطاع غزة، مشيرا إلى أن مؤسسة رواق حصرت سجل المباني التاريخية في جميع أنحاء فلسطين، حيث وجدت أن هناك 400 مبنى تاريخي في قطاع غزة. هناك بعض المباني تم ترميمها وتحويلها إلى مؤسسات ثقافية، وما زال الكثير لم تصل إليه الأيدي المعمارية.
وأضاف "حينما تتجول في المكان تشعر بعظمة التاريخ الفلسطيني وعظمة الحضارة الفلسطينية، فقد كان الفلسطينيون يشيدون المباني على أرق الطرز وأجمل إبداع".
وتابع "تدخل بيت الغصين من باب تنزل إلى ساحته من خلال درج، إلى باب يدخل إلى ساحة موزعة، كأنها كانت في الماضي غرف مستقلة، أما بعد الترميم تم تحويلها إلى ساحة للنشاطات والفعاليات، ومن باب في هذه الساحة تدخل إلى الحديقة المزروعة ببعض الأشجار والتي تحتاج إلى عناية كبيرة، وتدور حول البيت لتشاهد عظمة المكان ورؤية أجدادنا في بناء بيوتهم"،
ومضى قائلاَ: "منزل في وسط حديقة، إذا تخيلته في الماضي لن تجد حوله مباني، أما اليوم فهو محاط بكتل خرسانية كبيرة. لا يبعد عن شارع الوحدة أكثر من مائة متر، في زقاق ضيق بفعل تغيرات الزمن، لتكون أمام بيت أعاد المهندسون ترميمه ليعود ليجمع بين الماضي والحاضر."
وفي الكتيب الذي وزع على الحضور حول البيت، نقرأ أنه تم بناء هذا المبنى التاريخي في نهاية الحقبة العثمانية ما بين 1870- 1917، حيث بناه السيد شهاب الدين الغصين (ت سنة 1933م) وجعله كديوان لعائلته، على مساحة تقدر بـ270 متراً مربعاً. وبقي عامراً حيث كانت تقيم فيه حفيدته حتى وفاتها سنة 2018، أي أن البيت عمره نحو 120 سنة.
وتخلل حفل الافتتاح عرض مرئي يوضح العمل قبل وأثناء وبعد عملية الترميم.
ووفق المشرفين؛ فقد تم الدمج بين الأصالة والحداثة في تفاصيل المفردات المعمارية خلال عملية الترميم، لذلك تحول القصر إلى تحفة معمارية أثرية، وبات جاهزًا ليشع فكرا وثقافة.