جورجيا ميلوني.. إلى أين تتجه بوصلة صانعة ملوك أوروبا؟
عندما تولت منصبها كرئيسة للحكومة الإيطالية في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بدت جورجيا ميلوني وكأنها أسوأ كابوس للاتحاد الأوروبي.
لكن ومع اقتراب انتخابات البرلمان الأوروبي لا يزال الغموض يكتنف الأهداف طويلة الأجل لزعيمة حزب إخوة إيطاليا.
ولسنوات كانت ميلوني أبعد ما يكون عن الصداقة مع الاتحاد الأوروبي، الذي كان هدفا دائما لانتقاداتها، حتى إنها نادت صراحة بإسقاطه، لذا كانت التوقعات عندما تولت منصبها أن تعزز أجندتها القومية وتنضم لزعماء مثل رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان لمحاربة البيروقراطية في بروكسل.
لكن ما أدهش الكثيرين أنها لم تفعل ذلك، بل أثبتت ميلوني ولو ظاهريا أنها أوروبية بناءة وهو ما يرجع جزئيا إلى حاجة روما إلى المليارات من أموال الاتحاد الأوروبي في مرحلة التعافي من جائحة كوفيد وربما تلعب الزعيمة الإيطالية لعبة أطول أمدا بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وقالت الصحيفة في تحليل لها إن نفوذ ميلوني قد يتزايد أوروبيا بعد الانتخابات البرلمانية التي من المرجح أن تشهد حضورا أكبر بكثير للنواب المحافظين الوطنيين ومن التيار اليميني المتطرف.
وبعدما برزت ميلوني كصانعة ملوك محتملة يمكن أن ينتهي بها الأمر بالتأثير على موقف الاتحاد الأوروبي بشأن العديد من القضايا الرئيسية، خاصة بعدما لجأ إليها اليمين المتطرف المنقسم بشدة وأيضا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من يمين الوسط.
ويعترف الجميع بمن فيهم معارضوها أن ميلوني لعبت دورها بذكاء داخل الاتحاد الأوروبي، فكانت أول زيارة خارجية لها بعد توليها رئاسة الحكومة إلى بروكسل حيث تعاملت بشكل إيجابي كما لعبت دورا فعالا في تأمين الاتفاق الذي طال انتظاره بشأن إصلاح قواعد اللجوء في الاتحاد الأوروبي وسافرت مع فون دير لاين ثلاث مرات إلى شمال أفريقيا، ووقعت اتفاقيات للمساعدة في إبطاء حركة المهاجرين.
والأهم أن ميلوني قدمت دعمًا مستمرًا لأوكرانيا وانتقادًا غير محدود لروسيا وهو الموقف الذي ميزها عن الكثيرين من أحزاب اليمين المتطرف التي تعد تقليديا صديقة لموسكو.
والآن تحتاج فون دير لاين لدعم ميلوني وبعض أصوات اليمين المتطرف لتأمين ولايتها الثانية في رئاسة المفوضية الأوروبية.
ومن المتوقع أن يظل حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط) الكتلة الأكبر في البرلمان يليه الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار الوسط) لكن فون دير لاين لن تحظى بدعم جميع النواب من هذا الائتلاف.
ورغم أنها استبعدت أكثر من مرة العمل مع بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل التجمع الوطني الفرنسي بزعامة ماري لوبان، والحرية الهولندي بزعامة خيرت فيلدرز، والحرية النمساوي وجميعها تنتمي إلى تحالف "الهوية والديمقراطية" فإن فون دير لاين مرتاحة للعمل مع ميلوني وبعض زملائها من حزب "المحافظين والإصلاحيين".
وقالت فون دير لاين: "لقد عملت بشكل جيد للغاية مع جورجيا ميلوني"، وهي "مؤيدة لأوروبا بشكل واضح".
لكن هذا الموقف يثير مخاوف الاشتراكيين والليبراليين والخضر من أن تطالب رئيسة الوزراء الإيطالية بتخفيف إجراءات المناخ في الاتحاد الأوروبي مما دفعهم لتحذير فون دير لاين من عرقلة ولايتها الثانية إذا أبرمت أي صفقة مع اليمين المتطرف.
ورغم أنها كانت لمدة عامين نموذجًا للاحترام على مستوى الاتحاد الأوروبي فإن أحد دبلوماسيي التكتل اعتبر أن ميلوني "ربما أظهرت نفسها على أنها براغماتية، لكن سياساتها لا تزال يمينية متشددة".
والأسبوع الماضي، دعت لوبان، رئيسة الوزراء الإيطالية إلى توحيد القوى القومية واليمينية المتطرفة في أوروبا ضمن "مجموعة برلمانية كبرى" وهو سيناريو غير مرجح في ظل المنافسات والانقسامات الشديدة بينهما.
وحتى الآن حافظت ميلوني على موقفها الجاف ورفضت التكهن بتحالفها مع فون دير لاين أو مع لوبان لكنها تحدثت عن "تغيير الصورة الأوروبية" و"بناء أغلبية مختلفة في البرلمان الأوروبي".
وإذا تمكنت ميلوني بنجاح من بناء جسر بين المحافظين في أوروبا وجزء من اليمين المتطرف، فربما تتمكن من إحداث تغيير جذري في مواقف الاتحاد الأوروبي في قضايا بالغة الأهمية مثل تغير المناخ، والهجرة وربما تكون هذه هي خطتها بعيدة الأمد.