هناك عدد من البيانات الاقتصادية الإقليمية التي تفسر المزاج المتفائل في الأسواق المالية، وذلك حتى في ظل وضع الوباء الأكثر سوءا.
فقد أعلنت كوريا الجنوبية مؤخرا عن أن صادراتها عادت لتحقيق نمو خلال الشهر الماضي، وذلك بسبب مكاسب تحققت في الأسواق الرئيسية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الموحدة. والمؤشر الثاني المهم المتعلق بالتجارة الكورية هو ارتفاع متوسط الصادرات اليومية بأعلى مستوى منذ عام 2018.
وفي نفس الوقت قال بنك كوريا المركزي إن خروج الاقتصاد من ركود تفشي فيروس كورونا كان أفضل مما تم تقديره في السابق، بينما وصل مؤشر مديري المشتريات إلى أعلى نقطة له منذ عام 2011.
وتشير هذه الأرقام إلى تدعيم الآراء التي ترى أن كوريا الجنوبية سوف تخرج من أزمة الوباء في شكل أفضل من معظم البلدان المتقدمة، وهذه أنباء جيدة للاقتصاد العالمي. فالشركات مثل سامسونج وهيونداي المتضمنة في سلاسل الإمداد العالمية، غالبا ما يتم النظر لأدائها في الصادرات كخبر طيب للاقتصاد العالمي.
وتبين مؤشرات نشاط قطاع الصناعة التحويلية في الولايات المتحدة والصين وأجزاء من آسيا تحسنا خلال شهر نوفمبر، كما أن ألمانيا تشهد توسعا قويا أيضا.
فقد أظهر قطاع الصناعة في الولايات المتحدة أقوى توسع منذ شهر سبتمبر 2014. وفي الصين حقق قطاع المصانع نموا في نوفمبر بأسرع وتيرة منذ نوفمبر 2010، حيث يواصل الاقتصاد الصيني انتعاشه نحو مستويات ما قبل الجائحة. وأظهرت البيانات أن مؤشر مديري المشتريات التصنيعي جاء عند 54.9 نقطة، حيث يعني المستوى فوق 50 نقطة تحقيق توسع في القطاع. ويعد هذا التوسع للشهر السابع على التوالي. وكان التوسع أعلى من التوقعات التي بلغت 53.5 نقطة وأعلى من المستوى المحقق في أكتوبر حيث جاء المؤشر عند 53.6 نقطة. كما أن نفس المؤشر في اليابان سجل أفضل قراءة له منذ العام الماضي. ويعد مؤشر مديري المشتريات مؤشرا عن حالة الاقتصاد لاسيما في قطاع الصناعة. ويستند المؤشر إلى خمس مؤشرات رئيسية هي: الأوامر الجديدة، ومستوى المخزون، ومستوى الإنتاج، وتسليم المورد، وبيئة العمل. والغرض من المؤشر هو توفير المعلومات حول الظروف التجارية الحالية لصانعي القرار والمحللين.
ويعد السبب الأكبر وراء كسب هذه البلدان لسباق التعافي الاقتصادي هو براعتهم الصناعية. وبالنسبة لكوريا الجنوبية تحديدا، يرجع السبب إلى قدرتها على الصمود أمام الأثر الاقتصادي للوباء بالاعتماد بشدة على قوة صادراتها التكنولوجية، التي تصاعد الطلب عليها مع ارتفاع مستوى الإغلاقات الاقتصادية التي تمت هذا العام.
ولذا ليس غريبا أن كل من الصين وكوريا الجنوبية وتايوان واليابان شهدت ارتفاعا في الطلب على النفط.
ومع ذلك ما تزال هناك مخاطر في التعافي بالكامل، خاصة مع احتدام تفشي الفيروس، وهو الأمر الذي قد يدفع السلطات لإعادة فرض نوع ما من الإغلاقات. كما أنه ما يزال من غير الواضح متى سيتمكن العالم في الاستفادة على نطاق واسع من اللقاحات ويرى استعادة للثقة مرة أخر
ويتوقع البعض أنه مع قدوم عام 2021 يستمر الانتعاش الاقتصادي في الاختلاف بشكل واسع بين دول الإقليم الآسيوي، حيث ستسجل كل من الصين، وفيتنام معدلات أداء تفوق الآخرين.
وقد منحت قوة النشاط التجاري خلال الشهور الأخيرة طوق النجاة للتعافي الاقتصادي، على الرغم من أن الموقف ما يزال هشا مع ترقب العالم لتطورات الصراع للحصول على لقاح لفيروس كورونا. وهذا المزيج من الألم والحذر ينعكس على التعليقات التي تصدر عن مسؤولي البنوك المركزية، مثل قول رئيس نظام الاحتياط الفيدرالي الأمريكي يوم الاثنين إنه ما تزال هناك تحديات معتبرة على الطريق.
وقد وجد هذا المزيج صدى له في التوقعات الأخيرة الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي خفضت معدل النمو الاقتصادي العالمي خلال العام المقبل إلى 4.2% بعد أن كانت قد قدرته في وقت سابق عند 5%، ودعت المنظمة الحكومات إلى الحفاظ على الدعم المالي سواء لقطاع الأعمال أو للقطاع العائلي. وحذرت من أن تفشي الفيروس والإغلاقات من المحتمل استمرارهما لفترة من الوقت كما أن مخاطر وقوع أضرار دائمة في ارتفاع.
وحتى بالنسبة لقطاع الصناعة الذي يعد القاطرة الرئيسية للاقتصاد العالمي حاليا، فهناك علامات على الضعف. فالإغلاقات التي يشهدها قطاع الضيافة (المطاعم والفنادق والترفيه) أضرت بإنتاج السلع الاستهلاكية. وتهدد الوظائف في العديد من الصناعات.
وحسب بعض المراقبين فسوف تمثل شهور الشتاء تحديا للاقتصادات الآسيوية. فقوة دفع الاقتصاد الصيني من المنتظر أن تتماسك، ولكن العديد من الاقتصادات الأخرى في المنطقة ربما تواجه ضغطا من ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد 19. كما أن الحالات الجديدة في أوروبا والولايات المتحدة ربما تؤدي إلى نقص الطلب الخارجي، مع توقف درجة ذلك على مدى الصرامة في إجراءات احتواء الفيروس.
وقد تم الشعور بقوة الاقتصاد الصيني حاليا في أوروبا، حيث لاقت الصناعات الألمانية طلبا من الصين في شهر نوفمبر. وعلى الرغم من أن مؤشر الصناعة الألماني انخفض بشكل طفيف خلال الشهر، إلا أنه يبقى الأقوى في أوروبا، خاصة مع عودة الضعف للقطاع الصناعي في إسبانيا وفرنسا.
ومن المتوقع أن ينخفض النمو في منطقة اليورو التي تضم 19 دولة أوروبية خلال الربع الحالي بمقدار 2.2%، وعلى الرغم من أنه أقل بكثير من الانخفاض خلال الربع الثاني من العام والذي اقترب من 12%، إلا أنه يمثل تراجعا في نهاية المطاف. وربما يعكس ذلك التخبط الذي دخل فيه الاتحاد الأوروبي بشأن خطته للتحفيز الاقتصادي البالغ حجمها 750 مليار يورو والتي تم الاتفاق عليها في نهاية يوليو. فالخطة تواجه تعثرا في التطبيق نتيجة لاعتراض كل من المجر وبولندا على اشتراط اقتران مدفوعات التحفيز بآلية سيادة القانون، ويرى البلدان أن ذلك يعد سلاحا أيديولوجيا سيستخدم ضدهما لحرمانهما من هذه المدفوعات نتيجة لاتهامهما منذ فترة من الوقت بعدم احترام سيادة القانون والقيم الديمقراطية الأوروبية.
هكذا إذن على الرغم من الانتعاش القوي الذي أظهره القطاع الصناعي في العديد من الاقتصادات الكبرى، إلا أنه ما زالت هناك العديد من المخاطر التي تلزمنا جانب الحذر من استمرار هذا الانتعاش في بعض هذه البلدان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة