هضبة الجولان.. احتلال متعدد الجنسيات "يحرق" الخريطة السورية
تحظى هضبة الجولان المحتلة بموقع استراتيجي في قلب بلاد الشام، إذ تمتد إلى أطراف الأردن ولبنان وتكشف العاصمة السورية دمشق بسهولة
بوعد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لا يملك، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لا يستحق، باتت عملية "سلخ" هضبة الجولان المحتلة عن الجسد السوري قريبة بأدوات تشريح أمريكية.
وبات واضحاً أن الإعلان "الترامبي"، وعبر نيران تغريدته المشتعلة، أحرق ما تبقى من خريطة سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا، والتي صارت بموجبها هضبة الجولان جزءاً أصيلاً من الدولة السورية.
موقع استراتيجي
بين نهر اليرموك جنوباً وجبل الشيخ موسى شمالاً اتخذت هضبة الجولان مستقراً لها ببلاد الشام، حيث ظلت تابعة لمحافظة القنيطرة إدارياً، واستمرت شهرتها باسم "الهضبة السورية" عربياً وأوروبياً.
واكتسبت الهضبة موقعها المميز لكونها تطل على بحيرة طبرية غرباً ووادي الرقاد شرقاً، وامتدادها حتى الحدود السورية-الأردنية، فضلاً عن بعدها إلى الغرب عن العاصمة دمشق بـ60 كيلومتراً فقط.
تقدر المساحة الإجمالية لهضبة الجولان بـ1860 كم2، وتمتد على مسافة 74 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، دون أن يتجاوز أقصى عرض لها 27 كيلومتراً.
هضبة سورية باللحم والدم
بالعودة إلى التاريخ، التحمت هضبة الجولان بالخريطة السورية بعد اتفاق فرنسي-بريطاني، يوم 7 مارس/آذار 1923، إذ تخلت عنها لندن لباريس، بموجب اتفاقية سايكس بيكو، لكن مع إنهاء الانتداب الفرنسي لسوريا عام 1944 صارت الهضبة تابعة لدمشق.
بعد الحرب العالمية الأولى احتلت بريطانيا وفرنسا بلاد الشام من الدولة العثمانية، فقررت باريس تقسيم منطقة انتدابها على الشام إلى وحدتين (سوريا ولبنان)، ليتم توحيد الجبال الواقعة شمالي الجولان.
مرت السنوات لكن السلطات الفرنسية لم ترسم الحدود بين سوريا ولبنان بدقة لاعتبارها حدودا داخلية، مما أثار الخلافات والمشاكل بين البلدين عندما استقلت كل منهما عن باريس، ولا تزال هذه المشاكل قائمة بين الطرفين في منطقة مزارع شبعا وقرية غجر.
انتهاك إسرائيلي للقانون الدولي
لما يزيد على الـ51 عاماً ظلت هضبة الجولان واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، منذ اندلاع حرب 5 يونيو/حزيران 1967، بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا والأردن.
وبعد توقف القتال على الجبهتين المصرية والأردنية، في 9 يونيو/حزيران من العام نفسه، أي بعد 4 أيام من الحرب، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي الجولان، واحتل 1260 كم2 من مساحة الهضبة بما في ذلك مدينة القنيطرة.
وأمام ذلك، اضطر جميع سكان القنيطرة إلى النزوح عن بيوتهم، واللجوء إلى داخل الأراضي السورية، غير أن سكان القرى الدرزية شمالي شرقي الهضبة ظلوا تحت سيطرة المحتل.
ومع اندلاع حرب أكتوبر/تشيرين الأول 1973، اندلعت معارك عنيفة بين الجيشين السوري والإسرائيلي، حيث تمكن الجيش العربي السوري من استرجاع مساحة قدرها 684 كم2 من أراضي الهضبة لمدة بضعة الأيام، لكن الاحتلال استعادها مرة أخرى قبل نهاية الحرب.
ثم في 1974 أعادت إسرائيل لسوريا مساحة 60 كم2 من الجولان تضم مدينة القنيطرة وجوارها وقرية الرفيد، في إطار اتفاقية فك الاشتباك، ليعود إلى هذا الجزء بعض سكانه، باستثناء مدينة القنيطرة التي لا تزال مدمرة.
بقرار مخالف للقانون الدولي، قرر الكنيست الإسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول 1981، ضم الجزء المحتل من الجولان الواقع غربي خط الهدنة 1974 إلى إسرائيل بشكل أحادي الجانب ومعارض للقرارات الدولية.
مجلس الأمن.. القرار 497
في جلسة شهيرة بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 1981، رفض مجلس الأمن بالإجماع قرار الاحتلال الإسرائيلي ضم الجولان، في قراره رقم 497.
حينها، نص القرار 497 على أن: "الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ويعتبر قرار إسرائيل بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة ملغياً وباطلاً ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي".
وطالب المجلس من إسرائيل، القوة المحتلة، بأن تلغي قرارها فوراً، معلناً أن جميع أحكام اتفاقية جنيف المعقودة بتاريخ 12 أغسطس/آب 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب لا تزال سارية المفعول على الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل منذ يونيو/حزيران 1967.
سنوات السلام الضائعة
منذ 1967 أقامت إسرائيل في الجولان بعض المستوطنات التي يسكنها يهود إسرائيليون، حيث يوجد حاليا أكثر من 30 مستوطنة، أكبرها كتسرين، والتي أقيمت سنة 1977، قرب قرية قسرين المهجورة وسميت مثل القرية، نسبة لبلدة قديمة تم اكتشافها في حفريات أثرية.
مرت سنوات طويلة، وحق عودة اللاجئين السوريين إلى قراهم ومدنهم في الجولان أمر غائب، إلى أن خرج الرئيس السوري بشار الأسد، في 23 أبريل/نيسان متحدثاً عن عرض إسرائيلي من رئيس وزراء الاحتلال إيهود أولمرت آنذاك بالاستعداد للانسحاب من الهضبة مقابل السلام، حسب تقارير إعلامية.
ومع دخول سوريا في دائرة الحرب الداخلية، منذ عام 2011، اتخذت إسرائيل سلسلة إجراءات تصعيدية، كانت أبرز محطاتها عقد الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء الإسرائيلي في الجولان المحتلة، أبريل/نيسان 2016، في حدث غير مسبوق أرسل به رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن الانسحاب من الهضبة ليس واردا على الإطلاق.
ولم يكتف نتنياهو بهذا فحسب؛ بل أزاح الستار عن خطوة استفزازية جديدة بإعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي عن بدء تدريبات عسكرية في الجولان وغور الأردن المحتلين لمدة أسبوع.
وخلال عام 2018، سعى نتنياهو إلى الحصول على قرار أمريكي بالاعتراف بضم مرتفعات الجولان بعد أن اعترفت الولايات المتحدة نهاية 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وأمس الخميس، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معلناً في تغريدة له عبر حسابه على تويتر أن الوقت قد حان للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة، زاعماً أن ذلك يحقق استقراراً لإسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط.
aXA6IDE4LjE5MS4xNjUuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز