ذات يوم، كان من بين أحلك أيام الحرب العالمية الثانية.
وقف رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ليقول أمام البرلمان: "الأمريكيون يفعلون الشيء الصحيح دائما"، ثم صمت لبرهة قبل أن يكمل: "بعد أن يرتكبوا كل الأخطاء الممكنة".
ولا شك أن إدارة الرئيس جو بايدن ستفعل "الشيء الصحيح" في النهاية في المفاوضات مع إيران بشأن "العودة إلى الاتفاق النووي".
أجواء التفاؤل التي تحيط بلقاء مجموعة "5+1" في فيينا لترتيب آليات وقواعد العودة المتزامنة، من المرجح أن تضع خارطة طريق محددة يتعين أن يلتزم بها طرفا المأزق: إيران والولايات المتحدة.
إيران تريد أن يتم رفع العقوبات عنها قبل أن تعود لالتزاماتها الخاصة بمستويات تخصيب اليورانيوم وبالرقابة على باقي نشاطاتها النووية. وهي تنتظر أن يتم الإفراج عن عشرات المليارات من الدولارات المحتجزة في الخارج، وأن يصبح بإمكانها العودة إلى النظام المصرفي العالمي.
ولا شيء يبرر عدم الثقة بنوايا الرئيس جو بايدن. فهو يريد مخلصاً أن يجرد إيران من الوسائل التي تتيح لها أن تكون تهديداً إضافياً على أمن دول المنطقة، كما أنه يريد أيضاً أن تتوقف إيران عن إثارة عوامل زعزعة الاستقرار بتدخلاتها المختلفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
الخطأ الأول الذي وقعت فيه إدارة الرئيس بايدن بدأ من معادلة "عودوا لنعود" نفسها، إذ كان ذلك تبسيطاً زائداً عن الحد لطبيعة الأزمات التي تقف إيران وراءها. ولقد تعلقت إيران بها، بل وقدمت لها التسهيلات، لأنها تعرف مسبقاً أنها "تبسيط مريح". فكل ما تتطلبه تلك المعادلة هو أن تتوقف إيران عما تفعل في حدود ما ينص عليه الاتفاق النووي، لتجد الولايات المتحدة نفسها أمام واجب الالتزام بالقسط المقابل، أي رفع العقوبات.
الخطأ الثاني، هو أنه بينما يمكن أن تتوفر للعودة إلى الاتفاق النووي آليات تضمن التزام الطرفين به، سواء خطوة مقابل أخرى، أو خطوة خلف أخرى، فإنه لم تتوفر آليات محددة لضمان آليات سلوك، تمنع إيران من تشغيل ماكينة المليشيات وأدوات الإرهاب لزعزعة الاستقرار في المنطقة، أو لتنظيم أعمال إرهاب في الخارج، أو ممارسة نشاطات إجرامية أخرى من قبيل تبييض الأموال أو توفير التسهيلات لتجارة المخدرات، أو تهريب النفط، أو تمويل منظمات أجنبية، أو غير ذلك.
أما الخطأ الثالث، فقد كان تقديم حسن النوايا على حسن السلوك لدى الطرف المقابل. وأحد أبرز الأمثلة على ذلك هو رفع جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية، حتى من قبل أن يثبت أن هذه الجماعة مستعدة للالتزام بمدونة سلوك أقل تمسكاً بأعمال الإرهاب. والنتيجة كانت تصعيداً مشهوداً في تلك الأعمال ليس ضد المنشآت الحيوية في السعودية وحدها وإنما بتوسيع جبهات القتال داخل اليمن أيضا.
تقديم حسن النية بدا وكأنه يصدر عن ضعف، وهو ما شجّع إيران ومليشياتها على ممارسة أعمال عدائية أكثر شراسة وعلى اتخاذ موقف دبلوماسي متشدد حتى حيال مشاركة الولايات المتحدة في اجتماعات مجموعة "5+1"، حيث تمسكت طهران ببقاء الممثلين الأمريكيين "خارج الجولة الأولى على الأقل" ليتحدثوا مع نظرائهم الأوروبيين من خلف الستار، أما مليشيات إيران في العراق، فقد عادت لتجدد التهديدات للقواعد الأمريكية هناك.
هذه أخطاء لم تكن ضرورية قط، وكان من المفيد للولايات المتحدة ولحلفائها لو أنها لم تحدث، كما كان من المفيد لو أن خوض الجهد للعودة إلى الاتفاق النووي، وضمان حسن السلوك الإيراني وتوابعه، قد تم على نحو مشترك مع كل المعنيين به.
مع ذلك، فإن الولايات المتحدة سوف تفعل الشيء الصحيح في نهاية المطاف. وهناك سببان للثقة بأن ذلك سيحدث، وثانيهما أهم من الأول.
أما الأول، فإن حسن نوايا إدارة الرئيس بايدن يستحق التقدير لأنه يصدر عن رغبة صادقة في فعل كل ما هو صائب.
وأما الثاني، فهو أن طبائع الشر الإيرانية غالبةٌ على أهلها، لا محال. فإيران لن تتحول إلى دولة طبيعية، كباقي دول خلق الله، بمجرد العودة إلى الاتفاق النووي، ومليشياتها لن تتوقف عن ارتكاب الجرائم لتتفرغ للدفاع عن المناخ، وتنظيمات الإرهاب التي تمولها إيران لن تغلق أبوابها لتصبح منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان.
في تلك الساعة، سوف تتأمل إدارة النوايا الحسنة بما فعلت، لتدرك أنها كانت تتطلب ضوابط وآليات لحسن السلوك، قبل أن يعود المال ليغذي شرايين النظام الإيراني.
ومثلما وجدت الإدارة الأمريكية نفسها في ورطة مع الحوثي، الذي لم يقبل عروض السلام، وضرب بالنوايا الحسنة عرض الحائط، فإنها ستجد نفسها في ورطة مع إيران.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة