برحيل الشيخ صباح الأحمد لم تفقد الكويت وحدها قائداً حكيماً حافظ على سلمها الاجتماعي وقادها في مرحلة إقليمية ودولية ملتهبة.
تلقّى العالم أجمع ببالغ الحزن وعظيم الأسى نبأ وفاة الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة. رحل الشيخ صباح الأحمد بعد عقود من العمل السياسي والإعلامي والدبلوماسي. أربعة عقود شهد فيها الشيخ صباح على أحداث تاريخية كبرى في بلاده والمنطقة والعالم منذ تكليفه بمنصب وزير الخارجية، الذي ظل يشغله باقتدار على مدى 40 عاماً، وبرزت جهوده الدبلوماسية خلال فترة الغزو العراقي للكويت عام 1990، حين قام بدور بارز في حشد التأييد لبلاده، ليستحق حينها بجدارة لقب شيخ الدبلوماسيين العرب وعميد الدبلوماسية العربية والكويتية.
رحل "الصباح" بعد مسيرة حافلة بالإنجازات والعطاء، وبعدما قدم خدمات جليلة لبلاده وللأمتين العربية والإسلامية، وللإنسانية جمعاء. كانت مسيرة عامرة بالأحداث، التي تصب كلها في خدمة الكويت أولاً، وفي خدمة العرب والإسلام والإنسانية. قدم الكثير لمسيرة مجلس التعاون الخليجي، ومواقفه التاريخية الحكيمة تجاه وطنه وأمته، ودفاعه عن قضايا العروبة والإسلام لا تنسى أبداً، وسيظل خالداً في القلوب مدى الحياة ما تركه من إرث في العطاء والإنسانية.
ببسمته المتفائلة وسياسته الحكيمة، استطاع أن يكسب حب واحترام الجميع، وتوّجت مبادراته الإنسانية، التي كانت لها أصداء عالمية بتكريم رفيع من الأمم المتحدة بمنحه في عام 2014 لقب "قائداً للعمل الإنساني"، وهو لقب تم اعتماده خصيصاً له نظراً لجهوده في العمل الإنساني على الصعد كافة. وقد منحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسام الاستحقاق العسكري برتبة قائد أعلى لدوره في حل النزاعات وتجاوز الانقسامات في الشرق الأوسط، وهو وسام مرموق نادراً ما يتم منحه.
برحيل الشيخ صباح الأحمد لم تفقد الكويت وحدها قائداً حكيماً حافظ على سلمها الاجتماعي وقادها في مرحلة إقليمية ودولية ملتهبة، بل فقد الخليج العربي كلّه والبلاد العربية رجل سلام أتقن بناء جسور التواصل والتفاهم وتجاوز الخلاف. يرحل الفقيد وقد نجح بقوة خبرته وسعة حكمته أن يجعل من الكويت، البلد الصغير، دولة لها ثقلها في المنطقة سياسياً واقتصادياً، وتركها آمنة مستقرة بعد أن رسخ فيها مدرسة سياسية متوازنة تحفظ مصلحة البلاد وسلمها، وتؤمِّن الانتقال الدستوري للسلطة داخل الأسرة الحاكمة. الأكيد أنه لا خوف على الكويت، فقد تركها أقوى من أن تهزها أية محاولات أو مؤامرات لزعزعة استقرارها، وكل الثقة في الأمير الجديد نواف الأحمد الجابر الصباح خاصة وأنه ابن مدرسة الأمير الراحل السياسية والإنسانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة