انتقال السفارات الأجنبية إلى أربيل ليس بالحلّ السليم والمثالي لحماية أطقمها الدبلوماسية من هجمات "الحشد الشعبي".
استهدفت ميليشيات عراقية مدعّومة من إيران عدّة أهداف في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق أول أمس، بأكثر من ستة صواريخ سقطت معظمها بالقرب من المواقع التي خُطِط لتدميرها، كالمطار الدولي ومناطق أخرى غير مأهولة بالسكان، ولم ينجم عنها أي خسائر بشرية أو مادّية.
إن استهداف أربيل بهذا الشكل من قبل ميليشيا "الحشد الشعبي" المدعومة من طهران عقب ورود أنباء حول إمكانية نقل السفارة الأمريكية إليها، تطوّر خطير يؤكد وجود جماعات خارجة عن سيطرة الدولة العراقية تستطيع ضرب كلّ الأهداف التي لا ترغب إيران بوجودها داخل حدود العراق، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً للمنطقة برمّتها.
وكانت هذه الميليشيات قد استهدفت مراراً السفارة الأمريكية ومحيطها في بغداد وسفارات أجنبية أخرى بناءً على أوامر إيرانية أيضاً أو من أجل ما تصفه بـ "الانتقام" لمقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس، والعراقي المتزعم السابق لهذه الميليشيات أبو مهدي المهندّس، ولهذا السبب تخطط سفارات أجنبية عدة للانتقال إلى أربيل، لكن المشكلة أن الميليشيات جاهزة في الوقت عينه لتنفيذ أعمالها العدائية ضدها.
وبالتالي، فإن انتقال السفارات الأجنبية إلى أربيل ليس بالحلّ السليم والمثالي لحماية أطقمها الدبلوماسية من هجمات "الحشد الشعبي"، خاصة وأن هذه الميليشيات استهدفت عاصمة الإقليم قبل انتقال السفارة الأمريكية إليها بشكلٍ رسمي، لذلك لا بدّ من تجميد أنشطتها على كامل الأراضي العراقية بشكل حاسم وسريع، بدلاً من الهروب منها من بغداد إلى أربيل.
وباعتقادي فإن هذه الهجمات سوف تستمر سواءً في أربيل وبغداد أو باقي المناطق العراقية، طالما أن "الحشد الشعبي" يتلقى الدعم العسكري واللوجستي من طهران، ما يعني أن الأخيرة ستكون موجودة في كلّ المناطق العراقية إن لم تسارع المؤسسات العراقية الأمنية والعسكرية بمواجهتها والحدّ من دورها في وقت قصير.
ولكن المشكلة الأبرز تكمن في أن طهران غير راضية على الإطلاق عن محاربة الإرهاب في العراق، كما يفعل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، ولذلك تقوم ميليشيا الحشد باستهداف مقرّاته أيضاً بين الحين والآخر، الأمر الذي يؤدي بسهولة إلى تمدد الإرهاب في مختلف أرجاء العراق، وقد ساهم نشاط هذه الميليشيات بطريقة أو أخرى في عودة ظهور خلايا لتنظيم "داعش" الإرهابي، خاصة وأن التوترات الأمنية تمنحه المزيد من الفرص للظهور مجدداً.
وعدا عن نية طهران في التحكّم بالعراق عن بُعد من خلال الميليشيات التي تدعمها منذ سنوات، هناك هدف إيراني آخر وبارز من وراء زعزعة استقرار هذا البلد، وهو عدم السماح بوجود جماعات إيرانية معارضة على الأراضي العراقية، وما يؤكد ذلك هو استهداف مقرّات للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في أربيل أول من أمس، وهو أمر تكرر مراراً في السابق.
ولهذه الأسباب كلها، على الأطراف الدولية المعنية بالعراق وكذلك المحلية التي ترغب بعودة الاستقرار إلى البلاد، العمل على الحدّ من نفوذ الميليشيات المدعومة من طهران، بدلاً من المطالبة بمغادرة التحالف الدولي، فغياب الطرف الأخير يعني حتماً سيطرة إيران على كامل العراق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة