خطة «الاستشارية» الليبية.. هل تنقذ مستقبل الانتخابات؟

أثار إعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تقرير اللجنة الاستشارية المكلفة بمقترحات لتجاوز الجمود السياسي جدلاً واسعاً في الشارع السياسي بين من اعتبره خطوة للأمام نحو حل سياسي توافقي، وآخرين رأوا فيه تكريسًا للخلافات القائمة.
ووفق خبراء لـ«العين الإخبارية»، فإن مستقبل هذه الخطة يبقى مرهونًا بمدى استعداد الأطراف المحلية لتقديم تنازلات فعلية، والقبول بخارطة طريق قد لا تُرضي الجميع، لكنها قد تمثل، برأي البعض، آخر نافذة ممكنة قبل الانزلاق في متاهة انقسام جديد.
تقرير اللجنة الاستشارية تضمّن حزمة من التوصيات والخيارات لمعالجة الخلافات العالقة في الإطار الانتخابي، وعلى رأسها الربط بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وإمكانية فصلها وكذلك تشكيل حكومة جديدة تشرف على الاستحقاقات المقبلة.
وأوصت اللجنة بتشكيل حكومة موحدة ذات صلاحيات محدودة وولاية زمنية لا تتجاوز 24 شهراً، تكون مهمتها الأساسية تهيئة البيئة الملائمة لإجراء الانتخابات في جميع أنحاء البلاد، على أن تلتزم بحماية المال العام واحترام الالتزامات الدولية، مع منع التوسع في مهامها أو تضخيمها.
خطوة إيجابية
أستاذ العلوم السياسية ورئيس حزب "ليبيا الكرامة"، الدكتور يوسف الفارسي، اعتبر تشكيل الحكومة الموحدة "أمرًا ضروريًا لا مفر منه"، مشددًا على صعوبة إجراء الانتخابات في ظل الانقسام السياسي الحالي، ووجود حكومتين تتنازعان الشرعية، خاصة في العاصمة طرابلس.
الفارسي قال في تصريح لـ"العين الإخبارية" إن النقاط المتعلقة بالحكومة في التقرير تحمل أبعادًا إيجابية، خصوصاً ما يتعلق بمنع توسعها في المهام وحصر دورها في إدارة المرحلة الانتقالية، وتوجيه الموارد نحو الاستحقاق الانتخابي.
وأكد أن المدة الزمنية المقترحة للحكومة – 24 شهرًا – واقعية، لكون البلاد بحاجة إلى ترتيبات أمنية ومصالحة وطنية تتطلب وقتًا، وليس فقط إجراءات لوجستية.
تحريك المشهد
من جانبه، يرى الباحث في الدراسات الاستراتيجية والسياسية محمد أمطيريد أن التقرير يتضمن أربع مقترحات مهمة، أبرزها إمكانية فصل الانتخابات الرئاسية عن البرلمانية، وهو ما قد يسهم في تحريك المشهد السياسي المتجمد.
وأوضح أمطيريد، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن هذا الفصل سيمكن من المضي قدمًا في أحد المسارين حتى في حال تعطل الآخر، ما يسهل التقدم نحو استحقاق انتخابي طال انتظاره.
وأشار إلى أن جميع المقترحات، رغم اختلاف تفاصيلها، أجمعت على ضرورة تشكيل حكومة جديدة تشرف على الانتخابات، وهو ما اعتبره "محل توافق نسبي"، تدعمه البعثة الأممية ضمن جهود تجاوز الانقسام المؤسساتي.
تكريس للانقسام
في المقابل، عبّر عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، الدكتور الهادي بوحمرة، عن تحفظه على ما ورد في التقرير، معتبرًا أن اللجنة الاستشارية اكتفت بتوثيق الخلافات بدلاً من تقديم مسار واضح لتقليصها.
وقال بوحمرة، لـ«العين الإخبارية» إن التقرير تضمّن آراء متباينة معروفة مسبقًا في الشارع الليبي، دون ترجيح أحدها أو تقديم صيغة توافقية، وهو ما يُسهم، بحسب وصفه، في "شرعنة" التباين وتحويله من خطاب سياسي إلى وثيقة رسمية تحت إشراف البعثة، وهو ما قد يؤدي إلى ترسيخ الانقسام بدلا من تجاوزه.
ترحيب أوروبي
ولاقى التقرير ترحيبا من بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا حيث دعت جميع الأطراف إلى وقف التصعيد، وحماية المدنيين، والانخراط في الحوار الذي ترعاه البعثة الأممية، واصفة التقرير، في بيان، بأنه "إنجاز مهم في العملية السياسية التي يقودها ويملكها الليبيون".
وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي موقف رسمي من الأطراف السياسية الكبرى، عبّر رئيس الحكومة الليبية السابق، فتحي باشاغا، في تدوينة على صفحته بفيسبوك، عن دعمه لما ورد في التقرير، داعيًا إلى تغليب المصلحة الوطنية والانخراط في الحلول التوافقية، بما يحقق تطلعات الشعب في الاستقرار والتغيير الإيجابي.
يأتي هذا التحرّك في توقيت حساس تعيش فيه ليبيا حالة من الجمود السياسي والتدهور الاقتصادي والأمني، وسط استمرار تعثّر إجراء الانتخابات العامة.
يرتكز التقرير على أعمال لجنة استشارية تضم 20 شخصية ليبية بارزة تتمتع بخبرات قانونية ودستورية وانتخابية، وقد عقدت اللجنة أكثر من 20 اجتماعًا خلال ثلاثة أشهر في طرابلس وبنغازي ناقشت خلالها القوانين الانتخابية المعمول بها إلى جانب آليات الطعون الانتخابية وتمثيل المرأة والمكونات الثقافية وحقوق التصويت.
كما أجرت اللجنة مشاورات مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وأعضاء لجنة 6+6 (المشتركة بين مجلسي النواب و«الدولة» في ليبيا) التي تولت صياغة القوانين الانتخابية خلال العام الماضي.
وتعاني ليبيا انقسامات منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وتدير شؤون البلاد حكومتان الأولى في طرابلس معترف بها دوليا وانتهت ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد يترأسها أسامة حمّاد وتحظى بدعم البرلمان.
aXA6IDMuMTQ0LjkxLjIwMSA= جزيرة ام اند امز