مفتي مصر: أمة الإسلام تستغيث بعلمائها
فعاليات المؤتمر العالمي الخامس للإفتاء انطلقت، الثلاثاء، في العاصمة المصرية بحضور وفود من كبار العلماء والمفتين من 85 دولة.
انطلقت، صباح الثلاثاء، من القاهرة، فعاليات المؤتمر العالمي الخامس للإفتاء الذي تعقده الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تحت عنوان: "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، برعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبحضور وفود من كبار العلماء والمفتين من 85 دولة على مستوى العالم.
ورحَّب مفتي مصر الدكتور شوقي علام بالجمع الغفير من المفتين والوزراء والعلماء والدارسين والباحثين والوفود المشاركة في أعمال المؤتمر مما يناهز 80 دولة، معربا عن سعادته، بهذا الجمع على أرض الكنانة مصر للتباحث والتشاور في كبرى القضايا والنوازل والإشكالات التي تشتد إليها حاجة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
كما أبلغ المشاركون تحية ترحيب من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مؤكدا أن مكانة مصر التاريخية والحضارية تجعلها تضطلع بالكثير من المسؤوليات الجسام والأدوار والمهام التي لن تتخلى عنها يوما ما.
وأوضح "علام" أن موضوع مؤتمر هذا العام ينبع من إرادة حقيقية لا تقف عند معالجة المشكلات الفكرية والأخلاقية في تناول الخلاف الفقهي، وإنما تمتد إلى نية صادقة لاستثمار هذا الخلاف وإدارته بأسلوب رشيد ليكون أداة فاعلة في دعم منظومة المشاركة الفقهية والإفتائية في الحضارة المعاصرة.
وثمّن مفتي مصر مشاركة العلماء المعنيين بشؤون الأمة الإسلامية -وخاصة المشتغلين بمجال الإفتاء- في هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات الجادة التي تُعنى ببحث النوازل التي تشتد إليها حاجة الأمة الإسلامية وتشغل بال المسلمين، داعيا المولى عز وجل أن يكلل جهودهم بالتوفيق والنجاح، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
وأكد مفتي مصر أن أنظار الأمة الإسلامية تتوجه في كل عام إلى هذا المؤتمر بعين المتابعة والاهتمام البالغين؛ لأهمية ما يُطرح فيه من قضايا ذات شأن عظيم، وانتظارا لما يسفر عنه من نتائج وتوصيات، سرعان ما تتحول إلى برامج عمل واقعية ترتقي بواقع الأمة الإسلامية، وتنتشلها من براثن مخططات جماعات التطرف والإرهاب.
ولفت "علام" النظر إلى أن الجهود الحثيثة التي تبذلها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم منذ عام (1437 هجريا 2015 ميلاديا) حتى الآن، والتي تتمثل في عقد هذا المؤتمر، وإطلاقِ المبادرات المختلفة التي تهدفُ إلى محاربة أفكار التطرف والإرهاب، وإطلاقِ برامج التأهيل والتدريب، وإصدارِ الإصدارات العلمية المختلفة من موسوعات علمية ومؤلفات رصدية تتبع أحدث الأساليب العلمية والإحصائية لمتابعة مؤشرات الحالة الدينية والإفتائية على مستوى العالم، وإعداد المناهج العلمية الإفتائية التي تساعد المؤسساتِ الأكاديمية على مستوى العالم في تدريس منهج خاص بالإفتاء، وإطلاقِ العديد من المشروعات الواعدة، إضافة إلى اقتحام الفضاء الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي بما فيها من تشابك وتعقيد - هي جهود الهدف منها دفع عجلة تطوير وتجديد الخطاب الديني في عالمنا الإسلامي الذي يمر بتحديات كبيرة وكثيرة على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية، وتتطلب بذل المزيد من الجهد والتعاون من أجل مجابهة أخطار تيارات التطرف والإرهاب التي تهدد الأمة في حاضرها ومستقبلها.
وأضاف أن اجتماع العلماء هذا العام يأتي لطرح إحدى القضايا الدينية المهمة على مائدة البحث والتشاور والعمل، مشددا على كونها قضية من أهم وأخطر القضايا المعاصرة وهي (الإدارة الحضارية... للخلاف الفقهي) حيث تشتد حاجة الأمة إلى طرحها في ظل هذه الظروف والمتغيرات الراهنة التي يعلمها الجميع، مشيرا إلى أن الخلاف الفقهي في حقيقته لدى علماء المسلمين المعتمدين ظاهرة صحية، تعكس مدى مرونة وحيوية الفقه الإسلامي الوسيع وملاءمته لكل زمان ومكان، ويوضح بجلاء أن هذا الخلاف الصحي كان سببا فاعلا في تكوين ثروة فقهية وتشريعية قلما توجد في أمة من الأمم.
وأكد أن معالجة قضية إدارة الخلاف لا تزال تشغل العقل الإنساني بعد حقب تاريخية طويلة، انتفعت الإنسانية في بعضها بثمرات الخلاف، وعانت في بعضها الآخر من ويلات التعصب الديني أو الطائفي أو المذهبي؛ لذا لقد كان للتعامل الحضاري مع قضية الخلاف الفقهي أثر حميد في وحدة المسلمين وتعايشهم مع الديانات والثقافات والحضارات المختلفة، وأثر ذلك في تراكم ثروة معرفية تشريعية امتد تأثيرها والاستفادة منها إلى دساتير وقوانين دول العالم الحديث، منوها بهذه الروح الحضارية هي التي يعمل المؤتمر على إحيائها وبعثها من جديد.
وقال علام: "إن علماءنا الأجلاء من الأصوليين والفقهاء لهم جهود علمية مشكورة في وضع الضوابط والأصول التي نستطيع أن نطلق عليها مصطلح (الإدارة الحضارية للاختلاف الفقهي) فجعلوا للاجتهاد شروطا تجعل الخلاف محصورا بين أهل العلم المعتبرين، حتى لا يكون الاجتهاد كلأ مباحا لكل مدَّعٍ لا أهليةَ له، مشيرا إلى أن الأصوليين والفقهاء قعَّدوا بعد ذلك القواعد الذهبية المشهورة التي ترسم المعالم الحضارية للاختلاف الفقهي وتسلك به مسلك الاتساع والمرونة وتنأى به عن مسالك الجمود والفتنة والشقاق والضيق والعنت والإنكار.
وذهب "علام" إلى أن استجلاء وفهم التعاطي الحضاري مع قضية الخلاف الفقهي، لا يقتصر على النظر في الجانب الأصولي والفقهي فقط، بل لا بد من النظر إلى البعد الأخلاقي والقيمي الذي كان عليه أسلافنا الكرام رضي الله عنهم في مواطن الاختلاف، حتى تتضح أمام أعيننا معالم المنهج الحضاري في إدارة الخلاف.
واختتم المفتي رئيسُ الأمانة العامة كلمتَه بالتأكيد على أن التعامل الحضاري في إدارة الخلاف الفقهي، أنتج ثروة فقهية عظيمة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، وأثمر رحمة بين العباد وتعايشا بينهم في جو آمن يسوده الحب والرحمة والسلام، وما زلنا نرث هذا الرقي الحضاري جيلا بعد جيل، حتى نبتت في أمتنا نابتة سوء انتهجت منهج الخوارج، وجعلوا من الفروع الفقهية أصولا عقدية، كفَّروا بها كل من خالفهم.
وتابع علام: إن الأمة قد تضررت كثيرا من ممارسات هذه التيارات على اختلاف مشاربها وكثرة أهوائها، حيث إن التفكير تحول إلى تكفير متشدد لا يعترف إلا بذاته ولا يعتقد إلا في نجاته، وقد تطور هذا التكفير إلى التفجير، وسفكت الدماء التي حرمها الله بغير حق، وانتشرت الفتن في كل أرض نزلوا بها، حتى شكلوا خطرا حقيقيّا على العالم بأسره، وتوافق هذا التعاطي الجامد المتخلف مع إدارة الخلاف الفقهي بالتزامن مع مخططات دول وجهات لا تريد ببلادنا ولا بشعوبنا الخير، فنشأت عن ذلك التخلف أخطارٌ كبيرة تحيق بديننا وبشعوبنا وبأمننا.
ولفت إلى أن واجب العلماء والفقهاء والمجتهدين، التصدي لهذه الأفكار الهدامة، قائلا: "ها هي أمة الإسلام تصغي إليكم إصغاء الأمة إلى ما يقوله الإمامُ أحمدُ في فتنة خلق القرآن المشهورة، وتستغيث بكم استغاثة المريض بالطبيب، وتعقد العزم على نبذ هذه التيارات الفاسدة وتسير على نهجكم الأصيل الموروث، فلا نجاة لأمتنا إلا باجتماع كلمتكم على مواجهة هذه الأخطار".
aXA6IDE4LjIyMS4xOTIuMjQ4IA== جزيرة ام اند امز