بين ولاء الدستور وضغوط التسييس.. الجيش الأمريكي يواجه «أعظم اختبار»

في ظل استقطاب سياسي غير مسبوق، يجد الجيش الأمريكي نفسه أمام أزمة دقيقة تهدد جوهر العلاقة المدنية–العسكرية التي قامت عليها الجمهورية.
ففي قاعدة كوانتيكو بولاية فيرجينيا، عُقد اجتماع واسع شارك فيه مئات من القادة العسكريين الكبار، بحضور الرئيس دونالد ترامب ووزير الحرب بيت هيغسيث.
ورغم أن مثل هذه اللقاءات تُصنَّف ضمن التقاليد العسكرية الراسخة، فإن توقيته وظروفه السياسية جعلاه اختبارًا حقيقيًا للتوازن بين السيطرة المدنية والحياد العسكري، وفق تحليل لـ«فورين أفيرز».
- استدعاء «مفاجئ» لقادة الجيش الأمريكي.. اجتماع يرفع سقف التكهنات
- «تدهور دام لعقود».. هيغسيث يدعو لـ«إصلاح» الجيش الأمريكي
منصة سياسية تحت غطاء عسكري
الاجتماع لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي روتيني، بل تجمّع واسع أُقيم على عجل، ما أثار تساؤلات في صفوف الضباط حول دوافعه. حضور الرئيس ووزير الحرب أضفى طابعًا استثنائيًا، خصوصًا مع استحضار تجربة قاعدة فورت براغ في يونيو/حزيران الماضي.
وحينها تحوّل خطاب ترامب هناك إلى ما يشبه مهرجانًا انتخابيًا تخلله تصفيق وهتافات حزبية، حتى أثناء لحظات تضمنت انتقادات مباشرة لأوامر قانونية كان الجنود ملزمين بتنفيذها.
شائعات مقلقة
القلق داخل المؤسسة العسكرية لا يتعلق بأجواء الاجتماع فقط، بل يتصل أيضًا بالفراغ المعلوماتي في وزارة الحرب. فمنذ بداية الولاية الثانية لترامب، تزايدت وتيرة الإقالات في صفوف القيادات العليا، تزامنًا مع تصعيد عسكري في نصف الكرة الغربي دون وضوح كافٍ للرأي العام أو للقيادات الميدانية.
هذه البيئة الغامضة غذّت شائعات عن نية هيغسيث فرض قسم ولاء جديد على الجيش، وهو ما تبيّن عدم صحته.
لكن مجرد تداول هذه الفكرة أطلق تحذيرات من أزمة دستورية محتملة، إذ أن القسم العسكري منذ تأسيس الجيش يلزم الجنود بالولاء للدستور لا للأشخاص.
بين الحياد والتسييس
وعلى المنصة، حافظ هيغسيث على خطاب تقليدي ركّز فيه على الجاهزية والأمن، لكنه لم يخلُ من رسائل موجهة إلى أنصار شعار «اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا».
أما ترامب، فاختار خطابًا حزبيًا أكثر وضوحًا، تحدث فيه مطولًا عن «العدو الداخلي» في إشارة إلى خصومه السياسيين.
الضباط الكبار تجنبوا أي تجاوب مع هذه العبارات، مكتفين بالتصفيق البروتوكولي لدخول وخروج الرئيس والوزير، في رسالة ضمنية بأن المؤسسة العسكرية لن تنجر إلى الاصطفاف الحزبي.
ورغم أن الاجتماع انتهى دون أزمة علنية، إلا أن دلالاته عميقة وخطيرة. فالتعامل مع الجيش كأداة حزبية يفتح الباب أمام احتمالية تكرار الضغوط مستقبلًا، بما قد يقود إلى «تطهير سياسي» داخل المؤسسة ويضعف الروح المعنوية والكفاءة القتالية.
ووفق «فورين أفيرز» فإن تجارب دول أخرى أثبتت أن تسييس الجيش يقود إلى انهيار التوازنات الديمقراطية، والولايات المتحدة ليست بمنأى عن ذلك.
خرج الجيش الأمريكي من اختبار كوانتيكو متماسكًا ومتمسكًا بالحياد، لكن الأسئلة الكبرى لا تزال قائمة: كيف سيتعامل مع تصاعد الضغوط السياسية؟ وهل يبقى متمسكًا بولائه للدستور في مواجهة محاولات الزج به في الصراع الحزبي؟
قد يكون هذا الاجتماع مجرد بداية لمسار طويل من اختبارات الولاء، حيث يقف الجيش الأمريكي على خط رفيع يفصل بين المؤسسة الدستورية والآلة السياسية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTYg جزيرة ام اند امز