ثروات النفط والذهب.. حقائق اقتصادية وراء طمع ترامب في ضم «غرينلاند»
أثار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الجدل المصحوب بالغضب العارم، عندما أعاد التأكيد قبل أيام على رغبته في أن تستحوذ الولايات المتحدة على «غرينلاند» الدنماركية و«قناة بنما» البنمية، واصفاً كلتيهما بأنهما حيويتان للأمن القومي الأمريكي.
وعند سؤاله عما إذا كان سيستبعد استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية للاستيلاء على الإقليم الدنماركي المستقل أو القناة، أجاب: "لا، لا يمكنني أن أؤكد لك على أي من هذين الأمرين"، وأضاف: "هما ضروريان للأمن القومي الأمريكي".
وأثارت تصريحاته ردا قويا من رئيسة وزراء الدنمارك ميتي فريدريكسن التي شددت على أن غرينلاند "ليست للبيع".
وفقا للتقارير، يمكن أن يكون التحكم الأكبر في غرينلاند مفيدًا للولايات المتحدة بسبب موقعها الاستراتيجي. فهي تقع على أقصر طريق بين أوروبا وأمريكا الشمالية، وهو أمر حيوي لنظام الإنذار بالصواريخ الباليستية الأمريكي.
كما أن الولايات المتحدة مهتمة بتوسيع وجودها العسكري، بما في ذلك وضع رادارات هناك لمراقبة المياه بين الجزيرة وأيسلندا وبريطانيا، والتي تشكل ممرًا لسفن البحرية الروسية والغواصات النووية.
فلماذا يضع ترامب عينه على الجزيرة؟ وهل الأمر يقتصر على الاعتبارات الجيوسياسية أم للاقتصاد قول آخر؟
اقتصاد غرينلاند
نفس الموقع الفريد أتاح لغرينلاند، من ناحية أخرى، ثروات من المعادن والنفط والغاز الطبيعي، ولكن التطور فيها كان بطيئًا. ونقلت رويترز عن مسح في عام 2023 أن 25 من أصل 34 معدنًا تعتبرها المفوضية الأوروبية "مواد خام حيوية" تم العثور عليها في غرينلاند.
وتشمل هذه المعادن مواد تُستخدم في البطاريات مثل الجرافيت والليثيوم، بالإضافة إلى العناصر النادرة التي تُستخدم في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح.
وكانت غرينلاند تقوم بتعدين الفحم لعقود، ولديها احتياطيات مؤكدة كبيرة من هذا المعدن. وبالإضافة إلى تعدين الفحم، هناك أيضًا الذهب، والفضة، والنحاس، والرصاص، والزنك، والرخام.
وقد أظهرت الدراسات أن التربة تحت السطح تحتوي على عناصر نادرة، ومعادن ثمينة، مثل اليورانيوم.
كما إن هناك إمكانيات كبيرة لاستغلال النفط في مياه غرينلاند. ومع ذلك، لا ينعكس أي من هذه الإمكانيات في الناتج المحلي الإجمالي الحالي لغرينلاند.
فقد حظرت غرينلاند استخراج النفط والغاز الطبيعي لأسباب بيئية، وقد تم إعاقة تطوير قطاع التعدين فيها بسبب البيروقراطية ومعارضة الشعوب الأصلية.
وترك هذا اقتصاد غرينلاند يعتمد بشكل كبير على صيد الأسماك، الذي يشكل أكثر من 95% من الصادرات، بالإضافة إلى الإعانات السنوية من الدنمارك، التي تغطي نحو نصف الميزانية العامة.
وإجمالًا، تنفق الدنمارك ما يقرب من مليار دولار سنويًا على غرينلاند، أي ما يعادل 17,500 دولار لكل من سكانها البالغ عددهم 57,000 نسمة.
ووفقا لآخر بيانات منشورة، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي للجزيرة عام 2021 حوالي 3.236 مليار دولار أمريكي.
وتم تسجيل الناتج المحلي الإجمالي للفرد (بالدولار الأمريكي الحالي) في غرينلاند بمقدار 57,116 دولار أمريكي في عام 2021، وفقًا لمجموعة مؤشرات التنمية التابعة للبنك الدولي، والتي تم تجميعها من مصادر معترف بها رسميًا.
الصادرات والواردات
ووفقا لملف الجزيرة المنشور على صفحة بيانات الدول بموقع المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه دوت غوف"، فإن صادرات غرينلاند كانت من السلع عام 2022 وهي الأسماك، القشريات، المحار، والروبيان المعالج، الأحجار الكريمة، المنتجات الحيوانية.
وكانت هذه هي أبرز خمس سلع تصديرية بناءً على القيمة بالدولار.
أما الواردات، فكانت وفقا لتقديرات عام 2021 تبلغ 1.609 مليار دولار. وقد شملت النفط المكرر والطائرات، والملابس والمركبات الإنشائية، والمنتجات البلاستيكية.
للبيع؟
كانت غرينلاند تحت سيطرة الدنمارك لقرون، حيث كانت مستعمرة سابقًا، والآن هي منطقة شبه سيادية تحت التاج الدنماركي. وهي خاضعة للدستور الدنماركي، مما يعني أن أي تغيير في وضعها القانوني يتطلب تعديلًا دستوريًا.
وفي عام 2009، تم منح الجزيرة حكمًا ذاتيًا واسعًا، بما في ذلك الحق في إعلان الاستقلال عن الدنمارك من خلال استفتاء.
ورئيس الوزراء موتي إيجيدي، الذي كثف جهوده من أجل الاستقلال، قال مرارًا وتكرارًا إن الجزيرة ليست للبيع وأن قرار مستقبلها يعود إلى شعبها.
وقبل عقود، سعت الولايات المتحدة تحت رئاسة الرئيس هاري ترومان إلى شراء الجزيرة كأصل استراتيجي خلال الحرب الباردة مقابل 100 مليون دولار من الذهب، لكن كوبنهاغن رفضت بيعها.
وعرض ترامب شراءها خلال ولايته الأولى في 2019، لكن كلًا من غرينلاند والدنمارك رفضتا هذا العرض.
والعلاقات عامة متدهورة بين غرينلاند والدنمارك بعد الكشف عن سوء المعاملة التاريخي لمواطني الجزيرة تحت الحكم الاستعماري. ويدعم غالبية سكان غرينلاند الاستقلال، ولكنهم منقسمون بشأن توقيت هذا الاستقلال وتأثيره المحتمل على مستويات المعيشة. ومنذ عام 2019، صرح السياسيون في غرينلاند مرارًا وتكرارًا بأنهم مهتمون بتعزيز التعاون والتجارة مع الولايات المتحدة، بوصفه تمهيدا لإصلاح الوضع الاقتصادي بما يتيح لهم الاستقلال.
ووفقا لتقرير نشرته مجلة إيكونوميست مؤخرا، فإن قيمة غرينلاند تقدر بـ50 مليار دولار، أي نحو 5% من الإنفاق الدفاعي السنوي الأمريكي، وقد يربح كل مواطن نحو مليون دولار من الصفقة، حيث ان عدد سكانها يبلغ 56000 شخص فقط.
aXA6IDE4LjIyMS4xMTYuMjI2IA==
جزيرة ام اند امز