فهنا الغارديان بدورها المفضوح، وضمن مسار تلاعبها بالحقيقة، ما عادت تمثل إحدى قلاع الحرية في دولة أوروبية.
تظل الحقيقة ناصعة بواقعيتها واضحة بمضامينها، كونها ترتكز على أسس لا تخالجها الشكوك ولا تعتريها الظنون، ومهما تقادمت عليها السنون تبقى الحقيقة هي أم الفضائل، وينبغي على المؤسسات الإعلامية الاهتمام بالحقيقة وفقاً لموضوعية الأحداث ووقائعها؛ وليس العمل بمصالح شخصية أو التلاعب بها وبمنظور صاحبها.
تزعم بعض المؤسسات الإعلامية أنها ترصد الواقع بدقة متناهية وبمصداقية دون الركون لأية ضغوطات خارجية أو الانصياع لمن يموّلها، لكن حينما تضخ هذه المؤسسة الإعلامية أو غيرها ادّعاءات أنها تتحرى الحقيقة وتعمل كما تزعم وفق الاتجاهات الديمقراطية، لكنها في الحقيقة تتجاوز الحقوق الإنسانية وتتعامل مع قوى إرهابية متطرفة بغية تشكيل رأي عام موحد حيال استنزاف دولة أو شعب له سيادته ودوره بين الشعوب، فهنا تكمن المشكلة بابتعادها عن المصداقية في تناولها للأحداث.
فما قامت به صحيفة الغارديان البريطانية من تعليقات لما يجري في المنطقة العربية يعكس واقعاً تحريضياً؛ وغايتها اختلاق الفتن وتسويق المصطلحات الواهية والقيام بحملات كاذبة لزرع الشقاق بين الدول العربية.
ولعل المقال المنشور في صحيفة الغارديان للمحلل السياسي سايمون تيسدال، والمتعلق بعملية التفجير والهجوم على المصلين في جامع الروضة في سيناء، مدعاة للمغالاة وخروج عن جوهر ودور الإعلام، وفيه سموم وتجريح بالحكومة المصرية التي تجاهر بمحاربتها للإرهاب.
فكيف حمَل الكاتب في الغارديان الدولة المصرية تبعات هذا الهجوم؟ دون أن يشير إلى ما جرى للمواطنين الأبرياء خلال السنوات المنصرمة في سيناء والعديد من المدن المصرية من عمليات إرهابية؛ بدءاً من عمليات تفجير المساجد والكنائس واقتحام مؤسسات الدولة وتفجير المباني واتباع عمليات القتل والتدمير والحرق، ودون أن يوضح أبعاد هذه العمليات الإرهابية، مشيراً في مقاله وكأن منفذي تلك العمليات بمثابة متمردين، وصراع على أجنحة الدولة المصرية وليسوا متطرفين أو إرهابيين، وبالمقابل هل تحرّى ميدانياً الواقع الإرهابي، ولأكثر من ثلاث سنوات لا يوجد في سيناء مراسلون؟ .
الحقائق تشير إلى أن "الغارديان" تعود ملكيتها إلى دولة قطر منذ عام 2005م، ولا يخفى ذلك على أحد، وتاريخها حافل بتأجيج النزاعات واتباع سياسة تحريضية وخلق بؤر من الفتن والصراعات المذهبية، حتى أصبحت سلاحاً فتاكاً بيد قطر من أجل مصالحها الشخصية إقليمياً ودولياً.
لكن الحقائق تشير إلى أن الغارديان تعود ملكيتها إلى دولة قطر منذ عام 2005م، ولا يخفى ذلك على أحد وتاريخها حافل بتأجيج النزاعات واتباع سياسة تحريضية وخلق بؤر من الفتن والصراعات المذهبية؛ حتى أصبحت سلاحاً فتاكاً بيد قطر من أجل مصالحها الشخصية إقليمياً ودولياً، وبخاصة بعد الهجوم الكبير الذي حدث على قناة الجزيرة القطرية، حيث أشارت التقارير بهذا الخصوص إلى أن عائلة أمير البلاد استحوذت عليها لإنقاذ الصحيفة من شبح الإفلاس ولكن لأجل أغراض شخصية لا أكثر، ومن أجل نشر أخبار لا تمت للحقيقة بأية صلة، كما حصل في نشر أخبار أغضبت الشارع المصري في ثورة يناير، وقالت التقارير إن بداية تلك الخطة عندما أصدرت الغارديان تقريراً تقول فيه إن ثروة مبارك وصلت إلى سبعين مليار دولار وهو الأمر الذي أغضب المصريين، وكانوا يريدون على أثر نشر تلك الأخبار الملفقة والمزورة اقتحام القصور الرئاسية في ظل الأوضاع المتردية داخل مصر، لكن سرعان ما تراجعت الصحيفة عما نشرته واعتبرته تقريراً مغلوطاً وتقدمت باعتذارها لجميع قرائها.
في عام 2005م كانت الغارديان على وشك الإفلاس ولظروف بالغة التأثير اشترت قطر الصحيفة المفلسة، وذلك لطبيعة ملكيتها فهي الجزء الأساسي من أعمال مجموعة غارديان الإعلامية التي تعود ملكيتها لمجلس أمناء – سكوت ترست - المحدودة وهو بمثابة وقف؛ والهدف من ذلك هو ضمان الاستقلال المالي والتحريري للغارديان، فكان لابد من المساهمة بالوقف بحوالي ستين بالمائة من ثمنه في صفقة بمليار جنيه استرليني بغية إسكات جميع الصحفيين والمديرين بالجريدة.
وتمت عملية الشراء باسم تميم بن حمد، وقد تم أيضاً شراء 20 بالمائة عام 2008م وكذلك شراء 20 بالمائة الأخيرة في سبتمبر 2013م، والهدف إخفاء تصرفات بعض الشخصيات القطرية من العائلة المالكة في لندن، حينها تم شراء ذمم الصحفيين والمراسلين الذين يتبعون للغارديان، وبالتالي تحول دورها من رصد واقعي للأحداث إلى اختلاق المشاكل وتأليب المواقف بين الدول العربية، وإثارة النعرات المذهبية.
وبتوجيه من قطر تأكدت الصلة الوثيقة ما بين محرري الغارديان ومراسليها وأعمال المجموعات التكفيرية وعملت على نقل الأخبار المغايرة لما يحدث، وأضحت تجسّد دوراً مأساوياً ألا وهو الانفلات من القيم الإنسانية وأخلاقيات المهنة بعيداً عن حقيقة الدور الإعلامي ومسؤولياته الاجتماعية والسياسية.
أبرزت التقارير الواردة من مصر على لسان مراسل الغارديان جوزيف مايتون أخباراً ملفقة ودون وجود أدلة رسمية واضحة تستند إلى تصريحات المسؤولين المصريين أو إلى الهيئات المصرية.
ولم تكن مصر وحدها هي المستهدفة بل تعرّضت ليبيا والعراق وسوريا، كما تعرّضت المملكة العربية السعودية لتقارير ملفقة من مراسل الغارديان – هيو مايلز – حيث حصل على وثائق تسيء إلى المملكة، وكانت الأخبار التي تنشرها الصحيفة بمجملها مفبركة وبعيدة عن الحقيقة وتستهدف المنطقة العربية لإحداث شرخ بين الدول العربية.
وفي خضم تصاعد الدور الإرهابي في المنطقة شهدت مصر العديد من العمليات الإرهابية في سيناء ومدن أخرى، راح ضحيتها عناصر من المواطنين والجيش والشرطة، خصوصاً بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي الذي كان مدعوماً من قطر؛ وكان من آخر تلك العمليات استهداف كنائس وأقباط حيث اتهم السيسي دولاً لم يُسمِّها برعاية الإرهابيين، واستغلال الفوضى في ليبيا لتصدير المتطرفين عبر الحدود الغربية لبلاده، وهنا يشير العميد أركان حرب عادل العمدة المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية العليا في القاهرة وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية إلى وجود كثير من الأدلة على رعاية الدوحة للإرهاب، موضحاً بما وصفه من أن توقيت القرار المصري بقطع العلاقات مع قطر جاء في وقته بعد وضع تقدير للموقف من كل جوانبه، خصوصاً أن الدول العربية المحيطة بدولة قطر تأثرت هي الأخرى بدعم الدوحة للإرهاب، وأن القرار المصري يؤتي ثماره ويعطي مردوداً إيجابياً.
تساؤلات مطروحة، لماذا تكنُّ قطر عداوتها لمصر وهذه العداوة تعود إلى ما قبل ثورة يناير 2011؟، فقد عانت مصر طويلاً من التصرفات القطرية منذ 1995 وإلى اليوم برسم المخططات المشبوهة وإثارة المشاكل السياسية والإعلامية.
وتبدو تلك المواقف الرعناء تجاه مصر الشقيقة من خلال القيادات الإخوانية الموجودة في الدوحة، وهي على الدوام تستحضر ما جرى لها أيام عبد الناصر من حصار وتطويق لأنشطة الإخوان جراء اكتشاف مخططات خيانتهم، والمشهد ما زال قائماً منذ وصول حمد إلى إمارة قطر فقد تحولت الدوحة عبر أذرعها الإعلامية والمالية إلى استجلاب أنساق فكرية لتكون أداة لهدم العالم العربي عامة.
لقد سلّط مركز تريندز للبحوث والاستشارات الضوء، في يوليو الماضي، على دعم وتمويل الحكومة القطرية المباشر للتطرف من خلال وجود خمس جهات تتمتع بالغطاء من النظام القطري، هي فعلياً أدوات تحمي المتطرفين والإرهابيين وهي وزارة الأوقاف وشركة دوحة أبل وجمعية الشيخ عيد آل ثاني الخيرية والجماعة الإسلامية وقناة الجزيرة.
وعرض مركز تريندز خلال مؤتمر صحفي عالمي في بروكسل بمشاركة مدير البحوث والتواصل في المركز ريتشارد بورتشل، ورئيسة المؤسسة الأوروبية للديمقراطية روبرتا بونازي، أربعة عشر شخصاً أُدرِجت أسماؤهم على قوائم الإرهاب سواء الأميركية أو الأممية.
وأكد المركز أن هذه الأسماء ليست سوى عينة من قائمة طويلة من الأشخاص المصنفين على قوائم الإرهاب، كما اتهم وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية النظام القطري بتوفير غطاء الحماية الذي يسمح لممولي الإرهاب العمل بحرية.
والمتابع لما تطرحه صحيفة الغارديان من أساليب تعتمد النفاق والتحريض؛ وبأسلوب تعزف به على وتر العنصرية والمذهبية، لا تعوزه الفطنة بل يدرك تماماً أنها تعمل على تخريب العقول البشرية لأبناء أمتنا، ويكشف السموم القاتلة، وتجلى ذلك في نطاق الحرب الإعلامية المشتعلة والدائرة بين الدول التي تحارب الإرهاب وبين الدول الراعية للإرهاب، وما نجم عنها من عمليات التضليل والقيام بحملات إعلامية خفيّة وعلنيّة ومبتغاها تشويه الحقيقة واستهداف الدول التي تحارب الإرهاب .
فإذا كان الإعلام، تلفزةً وإذاعاتٍ وصحافةً، يمثّل أحد فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية فهنا الغارديان بدورها المفضوح، وضمن مسار تلاعبها بالحقيقة ما عادت تمثل إحدى قلاع الحرية في دولة أوروبية، كونها ابتعدت عن أخلاقيات العمل الصحفي وخضعت لقيود قائمة على فبركات مُفتعلة ومختلقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة