الموقف الفلسطيني الأولي من المعاهدة حري بالمراجعة وتغيير أسلوب التعاطي معها، والانتقال من مربع الانفعالات التي لن تغير من الموقف شيئا.
دخلت العلاقات الفلسطينية الإماراتية منعطفا صعبا ومليئا بالأزمات والتشنج، بعد تاريخ طويل من الخير الذي جمعنا بأهلنا الإماراتيين من أيام حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ذلك القائد العروبي الذي كانت القدس وفلسطين هاجسه الشخصي، فامتلك قلوب الفلسطينيين ووجدانهم وحزنوا لرحيله كما يحزنون على رحيل آبائهم ورموزهم .
كان الشيخ زايد رحمه الله صديقا لكل القيادات الفلسطينية وكان ملهما وداعما للحق الفلسطيني ماليا وسياسيا وفي كل المحطات، حتى التي تحتاج للمواجهة مع الغرب .
كفلسطينيين لا يمكن لنا التنكر لوقفات العز الإماراتية مع فلسطين وقضيتها تاريخيا، ومن ينكر ذلك إما أعمى أو جاحد، لكن التحول الدراماتيكي المحزن والمؤسف لهذه العلاقة الأخوية المتميزة نحو الخصام المحمول على أكتاف الحملات الإعلامية المرتبطة بأجندات سوداء ما أنزل الله بها من سلطان، هدفها تغذية حالة الخصام بين فلسطين والإمارات، وجر الشعبين إلى مواجهة إعلامية وسياسية واجتماعية، لن يستفيد منها أحد سوا النظام الإيراني وأردوغان والإخوان وكل من يعادي أمتنا ويتربص بها.
بكل الأحوال شهدنا بعد المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية الكثير من المغالاة والمبالغة في ردات الفعل الفلسطينية، وصلت إلى حد الإساءة إلى الإمارات ورموزها، كما أن بعض قيادات الصف الأول في فلسطين شنوا هجوما إعلاميا غير مسبوق على الإمارات، ودخلنا جميعا في متاهة رد الفعل، والتجاوزات غير الطبيعية أو المنطقية قد تخدم بعض الأجندات الإقليمية والشخصية، لكنها بالتأكيد لن تخدم فلسطين وجراحها على الإطلاق، ولا أدري كيف سمحنا لأنفسنا بأن ننزلق لمستوى الإساءة لدولة عربية شقيقة، لها بصمة واضحة في دعم فلسطين وكيف نقبل أن نسيء لرموز سيادية لأشقائنا العرب؟ ومن هو المسؤول عن هذا التعدي الخطير الذي أساء لقيم شعبنا قبل أي شيء ؟
أعتقد أنه كان من المفترض أن نتحلى كفلسطينيين بنوع من الحكمة والاتزان والهدوء في التعامل مع المعاهدة، بحيث نعطي رأينا بشكل لا يجعلنا نخسر العمق العربي الذي لم يعترض على المعاهدة مع التأكيد المجمل على التمسك بمبادرة السلام العربية، وكل الدول العربية أكدت على تمسكها بمبادرة السلام العربية، ولم تهاجم أو تستنكر الاتفاق بل إن دولا محورية ثمنته واعتبرته إنجازا عربيا.
أرى أن الموقف الفلسطيني الأولي من المعاهدة حري بالمراجعة وتغيير أسلوب التعاطي معها، والانتقال من مربع الانفعالات التي لن تغير من الموقف شيئا إلى مربع الهدوء والاتزان والتخطيط، الذي أراه مفيدا لفلسطين أكثر من حفلات الردح التي يقوم بها بعض القيادات على الجزيرة والميادين وغيرها من المنصات الإعلامية المدعومة من أردوغان وتنظيم الحمدين والملالي.
أعتقد أن القيادة الفلسطينية مع الاحترام والتوقير جانبت الصواب بردة فعلها الانفعالية على المعاهدة، فنحن في النهاية لسنا أوصياء على دولة الإمارات العربية المتحدة، فهي دولة ذات سيادة وحرة باختيار سياساتها الخارجية، وكل ما يهمنا كفلسطينيين هو عدم المس بقرارنا الوطني المستقل والحفاظ على ثوابتنا التاريخية وعدم تجاوز قيادتنا التاريخية، وهذا ما نستطيع أن نكرسه ونحافظ عليه بوسائل أخرى بعيدا عن الانفعالات التي يستفيد منها أصحاب الأجندات الإقليمية المعادية للأمة العربية وليس فلسطين.
في النهاية وبعد بلوغ انفعالاتنا ذروتها، آن الأوان لوضع لغة العواطف والانفعال الأعمى جانبا، حتى لا نخسر عمقنا العربي والخليجي، لنتعامل مع هذه المعاهدة بلغة العقل والحكمة فنحافظ على استقلال قرارنا الوطني وثوابتنا وطموحاتنا من جهة وعمقنا العربي الاستراتيجي من جهة أخرى، دون تبديد لرسالة شعبنا وتضحياته الجسام فنضيع الفرصة على كل المتربصين بأمتنا ونلتصق أكثر بعروبتنا، لذلك دائما أقول أننا نراهن دائما على حكمة قادة البلدين لتجنيب الشعبين الفلسطيني والإماراتي أتون أزمات لا تخدم العرب ومستقبلهم بالشكل الذي يحافظ على احترام الشعبين لبعضهما، وهذا ما يليق بالشعبين والعلاقة التاريخية بينهما .
ربعنا وأهلنا في الإمارات.. أنا مثل الكثيرين من الفلسطينيين الذين يشعرون بالحزن لما آلت إليه الأمور بيننا، نحن نريدكم ونحبكم ولا نريد لأعداء أمتنا أن يشمتوا بنا، وسنبقى معكم على عهدنا للشيخ زايد وإرثه الطيب، ومن أساء لكم أساء لنا أيضا ويمثل نفسه وأجنداته ولا يمثل فلسطين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة