لم تعتد الإمارات على العيش في الظل، أو على التباهي بخطب فارغة ودعاية جوفاء، كانت ولا تزال تربط القول بالفعل.
للسلام معانٍ أخرى غير تجنب الحرب، معان اقتصادية وعلمية وبيئية لاتقل أهمية، بل ربما هي من توطده وترسخ استقراره، فعندما تتعاون الشعوب المتصالحة في مجالات العمل والحياة المختلفة، تزداد أهمية السلام بالنسبة لها، ويصبح لزاما على الحكومات والبرلمانات والجيوش المحافظة عليه.
معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية جاءت استنادا إلى هذه الرؤية، والسعي نحو السلام وفق رؤية شاملة كهذه يعد الدولتين والمنطقة بأكملها بمستقبل مختلف، كما أنه يخلق ثورة في الخطابات السياسية التي تجاوزها الزمن، لكل مقام مقال كما يقولون، والمرحلة تحتاج للتجديد في الأدوات والآليات والمفاهيم.
العلاقة بين دولتين تسابقا الزمن لإحراز التقدم تلو الآخر في قطاعات العمل والبيئة والعلم والاقتصاد، تنطوي على منافع كبيرة لكليهما، تبدأ من تبادل الخبرات، ولا تنتهي بفتح سوقين جديدين أمام الشعبين للعمل والسفر والتعلم والاستثمار والبحث العلمي، إضافة إلى تعاون البلدين في مجال الأمن.
الإمارات هي أكثر دول الخليج تنوعاً في اقتصادها، وعلى مدار العقدين الماضيين راكمت كثيراً من الخبرات في قطاعات التجارة والاقتصاد والطاقة، فهي مركز عالمي لإعادة التصدير ولها باع طويل في التسويق والسياحة والطيران والبنوك، كما أنها من الدول الرائدة في الطاقة المتجددة عربيا وإقليمياً.
وتبذل الإمارات جهودا كبيرة في البحث العلمي، كذلك إسرائيل التي تمتلك مؤشرات علمية جيدة في مجالات عدة، وهو ما يبشر بآفاق رحبة لتعاون مثمر بين البلدين في هذا الإطار، وما العمل المشترك على أبحاث فيروس كورونا الذي شرع به الطرفان، إلا بداية لفضاء واسع من الإنجازات والاكتشافات.
وستصبح الإمارات، التي تحتضن خمسة وثلاثين بالمئة من الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قبلة رئيسية للتكنولوجيا الإسرائيلية التي تشكل أكثر من أربعين بالمئة من صادرات تل أبيب اليوم.
ولاشك أن قطاع السياحة يعد محورا رئيسيا للشق الاقتصادي بين البلدين، فالإمارات وجهة جديدة وجاذبة للسياح الإسرائيليين، وإسرائيل أيضا لا تقل جاذبية ليس للإماراتيين الأفراد فقط، وإنما أيضاً للشركات الإماراتية المستثمرة في هذا القطاع بكل أنواعه ومجالات العمل فيه، وتملك إسرائيل شركات رائدة عالميا في تحلية المياه، وهو ما تحرص الإمارات بشدة على تطوير خبراتها وإمكاناتها فيه.
ما ذكر من أمثلة على فرص التعاون بين البلدين ما هو إلا غيض من فيض، فمعاهدة السلام تعني علاقات طبيعية في كل المجالات، هنا يكمن المعنى الحقيقي للسلام، ويلمس الشعبان ماهيته، ومن هنا أيضا تتشجع دول أخرى على المضي به وتوسيع رقعته ليشمل المنطقة بأكملها،
لم تعتد الإمارات على العيش في الظل، أو على التباهي بخطب فارغة ودعاية جوفاء، كانت ولا تزال تربط القول بالفعل، وتقدم على المبادرات التي لم يسبقها إليها أحد، وبسبب ذلك احتلت الرقم واحد في إنجازات كثيرة صعبت على دول تتفاخر بتاريخ يفوق بأضعاف مضاعفة عمر هذه الدولة.
السلام مع إسرائيل وفتح الأبواب معها في كل المجالات، لم يكن خطوة سهلة، ولكن الإمارات فعلتها لأنها تراهن على قدرتها وقيمتها في هذه العلاقة، فهي دولة ند في هذا السلام وقد اختارت السلام بإرادتها.
ثمة قاعدة هامة أخرى في المنظور الإماراتي للعلاقة مع إسرائيل، وهي أنها لن تقبل بنصف سلام خوفاً من أحد، لن تعيش أبوظبي سلاماً خجولا مع تل أبيب لتبيع وهماً، لقد ملت شعوب المنطقة الأوهام، وخاصة تلك التي تُستَعبدُ فيها بحروب دونكشوتية لـ "محور المقاومة" ضد إسرائيل.
أمام عدسات الصحافة وشاشات القنوات العالمية والعربية والمحلية هبطت الرحلة الإسرائيلية الأولى على أرض دولة الإمارات، تحمل معها أول مشروع سلام حقيقي في المنطقة العربية كاملة، هو سلام لا يتذرع بحدود جغرافية، ولا يشكل درء الحرب سقف تطلعاته، وقبل هذا وذاك، لا يتاجر بأية قضية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة