أثبتت تجربة العقود الماضية أن القطيعة لن تجلب السلام، وإنما تعزز من عوامل الشك والريبة وعدم الثقة بين الأطراف المختلفة.
مرحلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط دشنتها رحلة السلام التي انطلقت من تل أبيب إلى أبوظبي حاملة وفدًا أميركيًا – إسرائيليُا، في أول رحلة تجارية مباشرة بين إسرائيل والإمارات، وفي أول خطوة عملية لمعاهدة السلام التي وقعها البلدان برعاية أمريكية منتصف أغسطس الماضي.
هذه الرحلة تاريخية بكل معنى الكلمة، ليس فقط لأنها الأولى من نوعها بين الإمارات وإسرائيل، أو لأنها تدشن أول علاقات تجارية مباشرة بين إسرائيل ومنطقة الخليج العربي، ولكن أيضاً لأنها تمثل، بالإضافة إلى كل ذلك، تجسيداً عملياً لسياسة الإمارات ورؤيتها الجديدة لتحقيق السلام والأمن والتنمية في منطقة الشرق الأوسط، والوصول إلى تسوية سلمية للصراع العربي- الإسرائيلي عامة والقضية الفلسطينية بشكل خاص، من خلال أسلوب التواصل المباشر والحوار البناء، بعدما أثبتت تجربة العقود الماضية أن القطيعة لن تجلب السلام، وإنما تعزز من عوامل الشك والريبة وعدم الثقة بين الأطراف المختلفة، ولن تؤدي سوى إلى إهدار مزيد من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتآكلها بمرور الوقت.
لقد مهدت الإمارات لهذه الرحلة التاريخية باتخاذ خطوة أخرى مهمة، تمثلت في إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل لسنة 1972، منهية 48 عاما من المقاطعة، ومفسحة المجال لبدء العلاقات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي، وتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات التعليم والابتكار والصحة والطيران والزراعة والطاقة والعديد من المجالات الأخرى، التي ستخدم بلا شك مصالح البلدين، وتعود بالنفع على المنطقة كلها، لأن التنمية والازدهار لن يتحققا إلا من خلال السلام والتعاون بين دول المنطقة وشعوبها كافة.
المعاهدة الإماراتية- الإسرائيلية ستخدم أيضاً المنطقة من جوانب أخرى، مثل تعزيز الجهود المشتركة في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وتعزيز التحالفات الاستراتيجية، إضافة إلى زيادة الدعم الأمريكي للمواقف الرامية إلى استعادة الأمن والاستقرار في ربوع المنطقة العربية كافة، وغير ذلك الكثير من المكاسب التي لا يتسع المجال لذكرها.
والمهم هنا هو التأكيد المستمر من قبل الإمارات قولاً وفعلاً على أن دخولها في علاقات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي لن يكون بحال من الأحوال على حساب مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه، وإنما هي خدمة لهذه المصالح والحقوق. وتجسيداً لذلك جاءت الكلمة المهمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي ألقاها نيابة عنه سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي، بالتزامن مع وصول رحلة السلام، والتي قال فيها إن "موقف الإمارات ثابت وراسخ في دعمه للموقف العربي الداعي لقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية"، مؤكدا سموه أن موقف الإمارات الداعم للقضية الفلسطينية سيستمر لأنه موقف نابع من قناعة متجذرة ولا تغيره أي اعتبارات.
إن رحلة السلام التي حطت في أبوظبي معلنة تدشين العلاقات المباشرة بين الإمارات وإسرائيل، هي رسالة سلام إماراتية للمنطقة والعالم، وتجسيد لنهج التسامح والأخوة الإنسانية الذي تؤمن به الإمارات وتسعى إلى نشره في العالم. وهي رسالة وصلت لجميع بقاع الأرض، وحظيت بتقدير وإشادة العالم كله، لأنها جاءت من أرض التسامح والسلام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة