ستمنح معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية الفرصة لإعادة تشكيل البيئة الأمنية والاستراتيجية الراهنة، والتي حكمت نظام الأمن الإقليمي.
مع بدء الاجتماعات الإماراتية الأمريكية الإسرائيلية رسميا بهدف تفعيل معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، يكون العالم العربي قد دخل مرحلة تاريخية غير مسبوقة ستشهد تطورات هيكلية حقيقية على كافة المستويات، مما يتطلب رشادة سياسية حقيقية، والتعامل بواقعية سياسية مستجدة بعيدا عن اللغة الإنشائية، والحديث من منابر أيديولوجية، فالأمر اختلف والسياق السياسي والتاريخ تباين بالفعل، ليفتح الباب أمام فرص جديدة للإقليم وللخليج العربي، وأيضا على المستوى الثنائي، وهو ما يجب الانتباه إلى تفاصيله الحقيقية، والتي تستهدف بناءا سياسيا واقتصاديا جديدا اعتمادا على قدرات وإمكانيات دولة الإمارات، والرؤية الأمريكية والإسرائيلية، وارتباط ذلك بما سيتم من مفاوضات جادة بين الأطراف المعنية، حيث ستظل الإدارة الأمريكية – اتضح ذلك من زيارة كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر والوفد الأمريكي الكبير الذي زار أبوظبي مؤخرا – متابعة عن قرب، لما سيتم إماراتيا وإسرائيليا لضمان نجاح المعاهدة بكل ما ستتضمنه من بنود مشتركة تتعلق بالاستثمار، والسياحة، والرحلات المباشرة، والأمن، والاتصالات، والتكنولوجيا، والطاقة، والرعاية الصحية، والثقافة، والبيئة، وغيرها من المجالات، كما اتضح من البيان الأول لإعلان البلدين البدء في تبني مسار السلام وعقد معاهدة ثنائية بخصوص هذا الأمر، واتضح ذلك جليا في قمة أبوظبي الخيرة، ولاشك أن الدور الأمريكي سيستمر، وسيتنامى في ظل احتمالات مؤكدة لدخول دول عربية أخرى على خط معاهدات السلام مع إسرائيل .
المطلوب هنا أن يشعر الرأي العام العربي عامة وفي منطقة الخليج وتل أبيب بحجم التغيير الراهن والمحتمل في مسارات العلاقات العربية الإقليمية، والتي ستقودها كل من الإمارات وإسرائيل، وهو ما قد يؤدي لأنماط جديدة من العلاقات الدبلوماسية القائمة على فكرة المصالح المتبادلة، وهو ما سيعززه الوجود الأمريكي المستمر والدائم في تنمية العلاقات المشتركة والاقتراب إلى مساحات حقيقية من الفوائد المشتركة، حيث ستمنح معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية الفرصة لإعادة تشكيل البيئة الأمنية والاستراتيجية الراهنة، والتي حكمت نظام الأمن الإقليمي لسنوات طويلة، وارتبطت في مراحل معينة بالمعطيات الأمنية الراسخة للنظام الإقليمي العربي تكرس فيها النظام الإقليمي على أسس ومعطيات ارتبطت بالتحديات والمخاطر التي واجهت هذا النظام لسنوات طويلة، وارتبطت بمحاولات الأطراف الإقليمية المجاورة، ومنها تركيا وإيران اختراق هذا النظام، وتقويض أركانه وبناء أنظمة بديلة .
ستعيد البيئة الأمنية والاستراتيجية الجديدة النظر في مقومات ومهام وركائز عمل المؤسسات العربية العربية الراهنة، خاصة وأن التحالفات الجديدة والمتوقعة ستغير من أنماط التعاملات العربية العربية والعربية الإقليمية، ما سيتطلب إعادة ترتيب الحسابات العربية كل على حدة، وليس في إطار العمل الجماعي، وفقا لنظرية النفقة والتكلفة والعائد، وحسابات المكسب والخسارة التي سيتعامل بها النظام الإقليمي الجديد في بيئته الاستراتيجية الجديدة .
وستقوم الأطراف الرئيسة في النظام الإقليمي بلعب دور جديد يتجاوز الأدوار التقليدية المعتادة في البيئة الأمنية الحالية، باعتبار أن دولة الإمارات لديها المقومات والركائز المؤهلة لذلك، حيث تعد ثاني أكبر اقتصاد عربي بناتج محلي يزيد على 400 مليار دولار، خاصة وأن المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية لن تكون مقصورة على مجالها السياسي فقط بل ستكون شاملة، مما سيساهم في وضع أولويات أمنية وسياسية واستراتيجية مختلفة انطلاقا من منطقة الخليج العربي بخلاف ما كان موجودا في السابق، وفي اتجاه مناطق جديدة، ومنها جنوب شرق آسيا والجنوب الأفريقي وفي النطاقات المتوسطية، حيث تطرح مشروعات بنى تحتية طموحة مثل مشروع سكة حديد تربط ميناء حيفا على البحر المتوسط بالخليج، مما سيغير طرق التجارة الحالية ويعزز دور الإمارات كمركز للمال والأعمال في منطقة الشرق الأوسط، كما سيكون لمشروع قضبان السلام دور تنموي ولوجستي.
تفتح المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية المرتقبة آفاقا اقتصادية جديدة في العالم العربي، وتعيد صياغتها ووضع أسس جديدة لتعاملاتها، خاصة وأن النظام الإقليمي العربي فشل في إقامة سوق عربية حقيقية، وتجمدت الاتفاقيات العربية العربية عند درجات محددة، ولم تنجح في تطوير بنية الاقتصاد العربي لتأتي المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية لتعطي فرصة كبيرة وواعدة وجديدة للانطلاق والعمل معا، وفق نظام اقتصادي على أسس واقعية، خاصة وأن دولة الإمارات تملك إمكانيات ومقدرات اقتصادية كبيرة قادرة على الدخول في شراكة اقتصادية في مجال متعددة، كما ستستفيد من ذلك الدول التي ستوقع معاهدات سلام مع إسرائيل للحاق بالتطورات السياسية والاقتصادية في الإقليم، في إطار ترسيم جديد للعلاقات الاقتصادية العربية العربية، كما سيفتح الباب أمام إعادة ترويج خيارات السوق الشرق أوسطية على أسس جديدة، كمدخل ومقاربة اقتصادية لما طرح في اجتماع المنامة، ووفقا لمصالح مشتركة وفوائد متبادلة، وفي ظل خطوط الغاز الجديدة في المنطقة والاكتشافات النفطية والغاز في شرق المتوسط، والمشروعات التي طرحتها بعض الأسواق الآسيوية المرتبطة بالسوق العربية وإسرائيل والخليج .
ستدفع المعاهدة الجديدة إلى خفض التوتر في الشرق الأوسط استنادا على أن البيئة الأمنية والاستراتيجية التقليدية قد اتصفت طوال السنوات الماضية بالتوتر، وباستمرار المواجهات بين إسرائيل والأطراف الفلسطينية والعربية وهو ما امتد من الأراضي العربية المحتلة إلى مناطق أخرى، مع تعزيز قابلية التشغيل البيني بين الأنظمة الدفاعية للدول العربية، ربما عبر مراكز القدرات الإقليمية التي تغطي المجالات البحرية، والسيبرانية، والجوية، والصاروخية، وكذلك أمن الحدود، والحروب غير المتناظرة.
سيكون للمعاهدة الإماراتية الإسرائيلية الجديدة دور قوي في معادلة ضبط التوازنات الأمنية والاستراتيجية، وكوسيط في إطار الصراعات الراهنة في المنطقة، ومحاولة لعب دور استباقي وفاعل في التعامل مع الأزمات العربية، وفي إطار مواجهة التهديدات المشتركة بين الجانبين على أساس أن إسرائيل مهتمة بتوسيع التعاون الأمني مع الدول العربية.
والواقع أن أي مشاركة إسرائيلية مقترحة في أية ترتيبات استراتيجية في الإقليم تنفيذا للمعاهدة الإماراتية الإسرائيلية سترتبط فعليا بالمتغيرات الجارية في المنطقة، والتي بدأت بالطرح الأمريكي للتسوية السياسية، والتي تضم إسرائيل والدول العربية، والتي بدأت في اجتماع المنامة، وما تلاها من مسارات للتحرك السياسي والاستراتيجي وفقا لمبادرة السلام والازدهار التي طرحها الرئيس ترامب، والتي ستتكثف بعد تفعيل بنود المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية .
عصر جديد بدأ في الشرق الأوسط، وهو ما سيؤدي لتغييرات حقيقية في العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة