على القيادة الفلسطينية مسؤولية التقاط اللحظة التاريخية ووضعها في صالح القضية الفلسطينية ومستقبلها،لا تركها للمزيد من المخاطر والتحديات.
تتميز معاهدة السلام الإماراتية - الإسرائيلية بديناميكية خاصة، تتجاوز قضية التأييد والرفض، كما كان الحال خلال التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد و وادي عربة وأوسلو، فهذه الاتفاقيات كان يحكمها الهاجس الأمني بالدرجة الأولى، انطلاقا من استعادة أراض كانت إسرائيل احتلتها خلال الحروب التي نشبت بين إسرائيل وهذه الأطراف، فيما معاهدة السلام الإماراتية – الإسرائيلية تقوم على إيجاد آليات متكاملة وعلى كافة المستويات والأصعدة، للدفع نحو تحقيق السلام والاستقرار وفق أسس جديدة في خدمة دول المنطقة وشعوبها، ولعل هذا ما يجعل من هذه المعاهدة نقطة تحول في تاريخ المنطقة، وكيفية التفكير بأسس بناء المستقبل، انطلاقا من قواعد التعاون والتكامل والاعتراف بالآخر في منطقة لا بد أن يعترف الجميع فيها بحق الجميع في الهوية والعيش والنمو والتنمية. منذ التوقيع على المعاهدة الإماراتية – الإسرائيلية في الثالث عشر من الشهر الماضي، بدت المعاهدة وكأنها تمتلك آليات حقيقية لتحقيق النجاح عبر خطوات متسارعة، وهذا يعود إلى وجود إرادة قوية وشجاعة لدى الطرفين في جعل المعاهدة مسارا لرسم التطورات المستقبلية في المنطقة، وقد تجسد ذلك في إطلاق الاتصالات بين الجانبين، والبدء برحلات جوية مباشرة بينهما، وعقد سلسلة اتفاقيات مهمة، و وضع تصور سريع للتعاون في مجالات الطاقة والصحة والسياحة والبيئة والتكنولوجيا والتجارة والاستثمارات، بما يعني كل ما سبق، أن ثمة ديناميكية قوية تقف وراء هذه المعاهدة التي أبرزت معادلة مهمة بين دولتين إقليميتين مهمتين بحاجة إلى التعاون والتكامل على أساس الاستفادة المتبادلة من أجل تشكيل مسار إقليمي جديد، فتسفيد أطراف المعاهدة من التعاون في مجالات التكنولوجيا والتقدم العلمي والهندسة الزراعية، إضافة إلى مكانة الإمارات العالمية في التجارة والخدمات الدولية، بفضل موقعها الحيوي الذي يشكل بوابة على الشرق الأقصى وجنوب آسيا، حيث سيكون لكل ما سبق تأثير كبير لجهة بناء نموذج إقليمي يحاكي المستقبل بعيدا عن الصراعات الأيديولوجية والدينية والقومية، وهو ما يفتح مرحلة جديد لجهة التفكير والإدارة والعمل من أجل بناء مشاريع اقتصادية وتجارية وعلمية، وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب، وتشكيل مجتمعات جديدة تقودها قيم العلم والتكنولوجيا وليس الصراعات الدموية والعدمية.
ديناميكية المعاهدة الإماراتية - الإسرائيلية على هذا النحو، توفر فرصة حقيقة للسلام من خلال إيجاد حل مقبول ومنشود للقضية الفلسطينية، عبر وقف عملية ضم الضفة الغربية وغور الأردن، وهو ما يعني عمليا الإبقاء على حل الدولتين، ذلك الحل الذي طالبت به القيادة الفلسطينية مرارا، ويحظى بدعم وتأييد عربي ودولي، ولعل هذا ما دفع برئيس الوفد الأمريكي – الإسرائيلي المستشار جاريد كوشنر إلى الدعوة لعدم البقاء رهنا للماضي وضرورة توسيع مسار السلام في المنطقة، ومثل هذا التوجه يؤكد أن المعاهدة الإماراتية – الإسرائيلية تحمل معها فرصة حقيقية لإطلاق عملية السلام على المسارات الأخرى ولاسيما المسار الفلسطيني، وهو ما يفرض على القيادة الفلسطينية مسؤولية التقاط اللحظة التاريخية ووضعها في صالح القضية الفلسطينية ومستقبلها، لا تركها للمزيد من المخاطر والتحديات ولاسيما في ظل ضيق سبل العيش وشح المساعدات والمعاناة الهائلة التي يعاني منها الفلسطينيون في الداخل والخارج. من دون شك، ديناميكية المعاهدة الإماراتية – الإسرائيلية تأتي في ظل ظروف مغايرة لحالة الرفض الشعبي كما كان في عهد اتفاقية كامب ديفيد، فالشارع العربي على اختلاف مشاربه الفكرية والسياسية بات يسأل عن جدوى مقاطعة إسرائيلية إلى ما لانهاية ؟ وعن أفق الصراع التقليدي معها ؟ وعن الثمن المر الذي دفعه الواقع العربي بسبب هذا الصراع طوال العقود الماضية ؟ وعن الشعارات التي لم تنتج سوى الجوع والفقر والسلطوية ؟، أسئلة تطرح في وقت بات فيه المقياس الحقيقي لمدى تقدم الشعوب الأسس الكريمة للعيش من صحة وتعليم وخدمات وتكنولوجيا وفرص عمل ... لا الأيديولوجيات والشعارات التي تسببت بتدهور كل ذلك في منطقتنا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة