إن أهم عامل يقف وراء هذه القرارات الاستراتيجية الإماراتية هي وضوح رؤية قيادتها السياسية منذ تأسيسها.
حين نشر معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، أمس، في حسابه على "تويتر" معلقاً على معاهدة السلام الإماراتية- الإسرائيلية قائلاً: "يجب النظر إليها في سياق القرارات الاستراتيجية لدولة الإمارات مثل زيارة البابا، والطاقة النووية واستكشاف المريخ كلها، توجهات لوطن يدرك وقع القرارات الاستراتيجية التحولية والفرص التي تخلقها"، فإنه كان يشير عما يحدث في منطقة الشرق الأوسط والإقليم العربي من تغييرات حقيقية، وإلى التحولات التي تحدث في النظام الدولي في المسائل الحياتية للإنسان وفي معايير العلاقات الدولية.
البعض أزعجته التغريدة، خاصة من إعلامي "الجار القلق قطر"، وغيرهم ممن يغردون على هوى نظام الحمدين ومعهم تركيا وهو موضوع لا يحمل جديداً، لكن الحقيقة تقول إنه بالرغم من أن الدول الكبرى في النظام العالمي، الولايات المتحدة وروسيا والصين، ما زالت هي المتحكمة في العديد من الخيوط التي تحرك الأحداث في العالم، إلا أن هناك دولا ناشئة وصاعدة في العالم ومنها دولة الإمارات، ترفض الجلوس لتكون ضمن المتفرجين على ما يحدث في هذا الكون دون أن تكون طرفاً أساسياً فيه، لذلك فقد خاضت في تلك المجالات ليس فقط من أجل المشاركة وربما التأثير فيه ولكن لأنها تخلق فرصا يمكن الاستفادة منها.
إن تبني موضوع الطاقة النووية واكتشاف المريخ وكذلك معاهدة السلام مع إسرائيل واستضافة البابا في منطقة الشرق الأوسط، هي بالفعل قرارات تحتاج إلى إرادة شجاعة لأنها من القرارات الاستراتيجية التي تغير مسارات تاريخ الأمم، وهي في المقابل تعطي قيادة أي دولة مصداقية لدى المجتمع الدولي وتخلق لنفسها مكانة وحضورا سياسيا في مسائل تقرير مصير قضايا الحرب والسلام في العالم، والإمارات تواجدت في قضايا الحرب والسلام في الصومال وأفغانستان ودول البلقان ومنطقة القرن الأفريقي وتتواجد في أعقد أزمة سياسية-إنسانية هي قضية فلسطين بتأييد دولي كبير.
المثير في معاهدة السلام مع إسرائيل هو أن تلجأ الدولة الكبرى في العالم التي تمثل وسيط الأساسي في القضية الولايات المتحدة إلى دولة الإمارات لأن تكون منقذاً لها بعد أن واجهت القضية "انسداداً دبلوماسياً" نحو حدوث انفراج فيها.
هناك مجموعة من القرارات اتخذتها دولة الإمارات خلال الفترة الماضية أبرزت دورها الصاعد على الساحة الدولية في قضايا مختلفة، جعلت لها كلمة مسموعة في العلاقات الدولية بل إنه مجرد تبني الإمارات لموقف معين في قضية محددة، هو معيار مهم في تحقيق النجاح لجهود الفريق والخروج منها بحل ينهي المشكلة أو الأزمة. كما تجاوزت الإمارات العديد من دول الإقليم الآسيوي والعربي في تثبيت نفسها في المجالات التي تخدم الإنسانية والسلام في العالم، وباتت أهميتها في منطقة الشرق الأوسط لا تقارن بأي دولة أخرى لسبب بسيط، أنها تواجدت في الملفات التنموية الحقيقية والتي تخدم الشعوب عبر انتشالها من حالة الفوضى الذي تعيش فيه، وتسببه بعض الأنظمة منها النظام القطري ومعه تركيا وإيران التي تبدو وكأنها تمثل "محور الشر الجديد" الذي قد يتسبب بكارثة عالمية.
إن أهم عامل يقف وراء هذه القرارات الاستراتيجية الإماراتية هي وضوح رؤية قيادتها السياسية منذ تأسيسها، والتي عملت على أن تصبح الإمارات دولة مركزية في العالم، وليست فقط دولة تربط بين الشرق والغرب، بل هي اليوم صاحبة قرار في قضايا المنطقة وتأثيرها يمتد ليتعدى الجغرافيا السياسية لها، بعد أن ثبّتت نفسها كدولة صانعة للسلام والاستقرار، فأصبحت تشارك في حل مشاكل الإنسانية أينما كانت وإذا كانت آخر تلك المشاركات هي معاهدة السلام مع إسرائيل التي تحمل فرصا واعدة لأبناء المنطقة، فإن قبلها كانت مواقفها الإنسانية في مواجهة فيروس كورونا والتي أبهرت العالم.
صناعة القرارات الاستراتيجية تحتاج إلى من يمتلك إرادة سياسية تتصف بالشجاعة للانخراط، فما بالك إذا كان الهدف هو تغيير مجرى الأحداث، وتقنع العالم بها، لذا نجد دولة الإمارات اليوم هي أقوى استراتيجيا وسياسيا بكثير من دول عدة وزعت نفسها إلى: دولة تمارس التهديدات على الإمارات، ودولة أخرى اختصت في شن الحروب الإعلامية عليها، والثالثة اكتفت بالعيش في أمجاد الماضي ومحاولة استعادة دولة الخلافة!!.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة