الإمارات فاجأت الكثيرين بالمعاهدة، لتثبت أن الشجاعة لها رجالها، وبأن لها تجربتها النهضوية الناضجة وثقلها السياسي.
سبعة أيام فقط كانت كفيلة بقلب الموازين في المنطقة العربية، التي لطالما تغنت بالأمجاد و ترنحت على أوتار الشجب والندب في القرن العشرين، ومرت بظروف سياسية غير اعتيادية، كانت كفيلة بسحب البساط من تحت أنظمة بان استبدادها لتسقط صريعة تحت أقدام شعوبها، ..في وقت كانت فيه دول فتية في منطقة الخليج مثل دولة الإمارات العربية المتحدة تغرس عميقاً جذور تجربتها الحضارية التي بان نضوجها، بعد خطوة أحدثت دهشة لدى القريب والبعيد وكان يرغب في اتخاذها الآخر، إلا أن عناصر الشجاعة والحكمة والنظرة الثاقبة إزاء الأوضاع السياسية والاقتصادية واستشراف المستقبل كانت غائبة عنه، وحاضرة لدى ابن رجل الحكمة والسلام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
الأسبوع الذي شهد إعلان معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، كان بعد انقضائه كفيلاً برفع الغشاوة عن أعين الحقيقة التي كان يرفض البعض رؤيتها لأنظمة الشر الثلاث المعروفة وعلى رأسها "تركيا-الإسلام السياسي" وأذنابهم في المنطقة المحيطة مثل قطر، ممن يطبلون على كل ما من شأنه زعزعة صورة الإمارات العربية المتحدة، متناسين أنهم ومنذ سنوات خلت مدوا يد المصالح مع الإسرائيليين و رفعوا الأعلام في تل أبيب وتبجح مسؤولوهم في شوارعهم عاقدين اتفاقيات بالخفاء في دهاليز الظلام، إلا أن تلك المحاولات التشويهية لصورة الإمارات ذهبت سدى، فهم كنافخ الكير الذي يحرق الثياب وله رائحة كريهة، الذي لم يصمد أمام حامل المسك الذي كسب مزيداً الأصدقاء الدوليين واتضحت نواياه التي يريدها للإنسانية، وخاصة بعد الجائحة الصحية الأخيرة والموقف الشجاع إزاء القضية الفلسطينية. الإمارات فاجأت الكثيرين بالمعاهدة، لتثبت أن الشجاعة لها رجالها، وبأن لها تجربتها النهضوية الناضجة وثقلها السياسي الذي نجحت في ترسيخ قواعده عربياً وإقليمياً وعالمياً.
الأيام السبعة الماضية كانت تجليات المشهد فيها واضحة، فهناك دول عربية تشجعت لتظهر رغبتها في اللحاق بخطوة الإمارات التي سبقتها إليها مصر والأردن نحو خطوة السلام مع إسرائيل، موقنة أن الشعارات الجوفاء لم يعد لها دور في عالم السياسة والدبلوماسية الحديثة الفعالة مع الدول، و مدركة أن القرن الحادي والعشرين يسير عكس عقارب الساعة، لينفض الغبار عن سبعين سنة من الصراع العربي الإسرائيلي، فيجلب للمنطقة مزيداً من الأصدقاء الأوروبيين الذين نأوا بأنفسهم عنها مطولاً لعوامل جيوسياسية كثيرة، و سيطرة الأيديولوجيا والأعمال الإرهابية المخربة.
هذه الخطوة التي رأى فيها البعض عبر ضيق أفقه أن الإمارات باعت من خلالها القضية الفلسطينية، في الواقع قد حركت مياهها الراكدة بذكاء لتوقف تحرك إسرائيل نحو ضم مزيد من الأراضي؛ وجاءت لتحسن الصورة العربية في أعين من سبقونا قروناً وتركونا في الخلف نتناحر باسم الدين وحفظ الحق العربي، وربما حان الوقت أن يتحول العرب من مجرد "ظاهرة صوتية" كما سماها الكاتب عبدالله القصيمي إلى ظاهرة حضارية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة