للقضية الفلسطينية وجه عادل لا أحد ينكره، وهو أن فلسطين دولة محتلة تتطلع إلى الاستقلال.
الإمارات أول دولة عربية من خارج الإطار الحدودي لإسرائيل تقرر توقيع معاهدة سلام معها. سيتذكر التاريخ ذلك لأن هذا القرار سطر مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة بأسرها، ترتكز على ثلاثة أسئلة رئيسية في صياغة العلاقات الخارجية. من هو عدوك؟ ولماذا خصومتك معه؟ ومن هو حليفك في هذه المواجهة؟.
في قرارها لتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، استندت الإمارات على هذه الأسئلة الثلاث. فعدوها يتمثل بالدول ذات الأطماع التوسعية والمشاريع التخريبية في المنطقة والجماعات الإرهابية والمليشيات الطائفية التي تمثلها..
بعيدا عن الفلسطينيين فإن جميع منتقدي معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، ينتمون إلى القائمة المعهودة لمن توجعهم سياسات دولة الإمارات. وبعضهم إما أصدقاء لإسرائيل مثل تركيا وقطر. أو أعداء ظاهريا وقدموا لها أكثر من الأصدقاء مثل إيران. والسبب الحقيقي وراء انتقادهم للإمارات هو صدمتهم بقدرتها وجرأتها على فرض شروطها في المرحلة المقبلة.
بالنسبة للفلسطينيين فهم إما ممن يرفضون المعاهدة لأنها توضح بصورة مكشوفة استغلالهم للقضية. أو ممن يشاطرونها واقعيتها في اتخاذ القرار لأنهم يدركون أن القطيعة العربية مع إسرائيل لن تقدم أي شيء لهم في ظل الانقسام التي يعانونه. وعندما ينجزون المصالحة الوطنية سيجدون الإمارات إلى جانبهم أكثر من أي دولة أخرى.
للقضية الفلسطينية وجه عادل لا أحد ينكره، وهو أن فلسطين دولة محتلة تتطلع إلى الاستقلال. وهذا الوجه تحديدا لا تدير الإمارات ظهرها له في معاهدتها مع إسرائيل، وتاريخها في دعم الفلسطينيين يقول ذلك، ومصلحتها في إنهاء أطول صراعات وأزمات التاريخ الحديث للشرق الأوسط يقول ذلك أيضاً.
الإمارات أوضحت عبر مسؤوليها وبياناتها الرسمية فوائد معاهدتها مع إسرائيل بالنسبة للفلسطينيين. ولكن الرافضين بينهم لا يريدون الإصغاء. بل هم يستخدمون المعاهدة كشماعة لتبرير فشل سلطتهم في إدارة الصراع مع إسرائيل، وفشلها في توحيد الصف الداخلي في وجه المحتل.
الخطر الوحيد على القضية الفلسطينية هو الانقسام الذي يعيشه الفلسطينيون منذ سنوات طويلة. باتت مقاومة الاحتلال أمراً ثانويا بالنسبة للسلطة الفلسطينية أمام مقارعة خصومها الداخليين من منتقدين ومعارضين لها. أما حركة حماس فمنشغلة بتصفية الحسابات الإيرانية والقطرية في المنطقة.
لا أعتقد أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يعمل من أجل مستقبل الشباب الإسرائيلي كما قال بنفسه، والذي بكى حزناً على رئيس إسرائيل التاسع شمعون بيريز عند وفاته، يحق له أن ينتقد أحداً في علاقته مع تل أبيب. كما لا يجوز أن يحمل أحداً مسؤولية فشله في إدارة التعامل مع الاحتلال.
لم يحصد الفلسطينيون من قادتهم بعد ياسر عرفات إلا الإخفاق. ولا نبالغ بالقول إن عباس تودد للإسرائيليين على حساب شعبه أكثر من أي معاهدة يمكن أن تقوم بها دولة عربية. أما حركة حماس فقد حاصرت سكان قطاع غزة في حياتهم بذات القدر من التقييد الذي وقع عليهم من قبل الإسرائيليين.
أمام هذه المعطيات الموجزة بدقة في وصف واقع الفلسطينيين اليوم، تسقط جميع الادعاءات المناهضة للمعاهدة الإماراتية الإسرائيلية. بل يمكننا الذهاب أبعد من ذلك والقول إن اختصار المعاهدة بتأثيرها على هذه القضية، هو اختزال لأهميتها ولدورها الحقيقي في صياغة التاريخ الحديث للمنطقة.
عبر المعاهدة مع إسرائيل، قلبت الإمارات الطاولة على كل من يدعي احتكار الأوراق السياسية بالمنطقة. وكسرت ذلك الوهم بأن العرب لا يستطيعون أخذ زمام المبادرة والتأثير في التحالفات والتفاهمات الإقليمية والدولية. فعلت ذلك أبوظبي على مرأى ومسمع العالم كله. فعلته دون خوف وفي وضح النهار.
إنكار جرأة الإمارات وحكمتها في إبرام المعاهدة مع إسرائيل، إما آنه ناجم عن عقلية متخشبة في السياسة. أو صادر عن خصوم متخوفين من توسع نفوذ الإمارات واتساع رقعة حضورها في المنطقة والعالم. وفي الحالتين يجب أن تمضي قافلة المعاهدة دون اكتراث بمن يعارضها، ولماذا، وكيف تفعل ذلك؟
في نهاية المطاف، المعاهدة مع إسرائيل قرار إماراتي سيادي لا يقبل المساومة أو الابتزاز أو الابتذال أو الاختزال. وحدهم الإماراتيون من يحق لهم محاكمته. وهم لطالما دعموا وساندوا خيارات قادتهم التي جعلت جواز السفر الإماراتي يفتح أبواب نحو مئة وثمانين دولة حول العالم دون تأشيرة.
طرقت الإمارات باب السلام مع إسرائيل. وخلال بضع سنوات سيلحق بها كل من بات يقرأ أوضاع المنطقة والعالم بمنطقية أكثر. زمن اللاءات الثلاث في العلاقة مع إسرائيل قد انتهى. ومن يهدد برميها في البحر منذ عقود طويلة، ولم يفعل، وحده فقط من يخشى مصارحة شعبه وأتباعه بأنه كاذب وواهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة