لكل زمان أدواته التي تحرك له الملفات الجامدة والساكنة، لا سيما لمن يفكر في البحث عن حل للقضية الفلسطينية.
ضمن مساعي دولة الإمارات من أجل استعادة قضية العرب المركزية "القضية الفلسطينية"، مكانتها في المجتمع الدولي والتي بدأتها بالإعلان عن التوصل إلى معاهدة السلام مع إسرائيل حطت الاثنين، أول طائرة تجارية إسرائيلية إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، تحمل على متنها وفداً أمريكياً وإسرائيلياً مشتركاً برئاسة جاريد كوشنير كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أجل استكمال المناقشات والتوقيع على اتفاقيات ثنائية حول مجالات تنموية مختلفة، والتي يمكن اعتبارها تمهيداً لإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم ومدخلا للتفكير في السلام الشامل للمنطقة.
وكما تشير القراءة الأولية للمجالات التي سيتم الاتفاق عليها والتي منها: الاستثمار والسياحة والطاقة، فإنها ستركز على توفير فرص عمل للشباب في منطقة الشرق الأوسط التي عانت الكثير بفعل الحروب، مما يمكن أن يترتب عليه بناء سلام حقيقي دائم أساسه التعاون وتبادل المنفعة، فهي تمثل اليوم الأدوات الجديدة التي يتطلب على السياسيين التركيز عليها في مفاوضاتهم الدبلوماسية مع الآخر، فلكل زمان أدواته التي تحرك له الملفات الجامدة والساكنة، لا سيما لمن يفكر في البحث عن حل للقضية الفلسطينية الممتدة منذ سبعة عقود ولكن دون خطوة واحدة للأمام، والسبب أنه رغم تغير الزمان ومعه شكل القضية التي أصبحت أكثر تعقيداً وتشابكاً، إلا أن أدوات المعالجة المستخدمة في القضية لم تتغير، بل إن سلوكيات المفاوض العربي بقيت على حالها.
لهذا فإن أجمل شيء في السياسية وأروع عمل يمكن أن يقدمه من يمارسها هي الشجاعة السياسية لأنها صفة لا يمتلكها كل القادة، بل إن من مارسها حقق نتائج ملموسة، ولو نظرنا في الأزمات التي تعاني منها الدول العربية بما فيها القضية الفلسطينية نفسها، نجد أن العلة تتركز في التردد من القادة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات جريئة، مما أدى إلى خسارة العرب الكثير من مكتسبات السياسية، وأن يتم التركيز على لغة التخوين لكل من يتحرك عكس أهوائهم.
نحن في دولة الإمارات وعلى مدى أسبوعين كاملين نعيش ظاهرة من الشجاعة السياسية تسجلها دولة الإمارات، في مواجهة واقع عربي ما يزال يعيش إرثا سياسيًا يرفض أن يطوره ليواكب قضايا العصر، فاستغل من يسمون أنفسهم "جبهة المقاومة" ذلك التردد العربي والجمود، للتلاعب بالأفكار العربية ومواقفهم واستغلالهم في تحقيق أهدافهم التوسعية في المنطقة.
كان الأسهل للإمارات البقاء على النهج العربي نفسه؛ إما بعدم التحرك إلى الإمام في التعامل مع القضية الفلسطينية التي خدمت غير الفلسطينيين والعرب، أو كان بإمكانها أن تساير الوضع العربي في مجاراة "المتاجرة للقضية"، كما يفعل نظام الحمدين وعدم السعي لتحريك أي شيء، لكنها مثلما كانت لديها الشجاعة في التقريب بين الأديان السماوية تحت مظلة "وثيقة الأخوة الإنسانية"، وكذلك من خلال الإعلان صراحة عن مواجهة فوضى تنظيم الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي، وإنقاذ مصر الدولة المركزية في النظام العربي، اليوم قررت بشجاعة سياسية نادرة، البحث عن مخرج للقضية الفلسطينية بما يعني ذلك صراحة "سد الثغرات" أو الفراغات السياسية التي يدخل منها خلالها أصحاب المشاريع التوسعية في المنطقة.
لا تقتصر الخطوة الإماراتية من معاهدة السلام مع إسرائيل في معالجة القضية الفلسطينية فقط وإحلال السلام في المنطقة، ولكن في تلك الخطوة دلالات أخرى لها علاقة بطريقة التعامل العربي أو الإقليمي مع إسرائيل فإضافة إلى كل ذلك، نجد الشجاعة السياسية في المصارحة الإماراتية والمكاشفة مع الرأي العام العربي والإسلامي. وهذا يمثل سلوكاً استثنائيا إذا ما تم مقارنته بحالات عربية أخرى مثل نظام الحمدين، أو حالة إقليمية كما تركيا وإيران فالأولى لديها سفارتها في تل أبيب وترفض أن تقوم دول عربية بذلك، والثانية توكل العرب المؤدلجين لتمثيل الحرب ضد إسرائيل، وتستغلهم لتحقيق أهدافها.
أما الواقعة الأكبر التي تجسدها الشجاعة السياسية الإماراتية التي ينبغي أن يدركها الكل، تتمثل في استقبال وفد سياسي وإعلامي إسرائيلي في العاصمة أبوظبي وتعلنها في وسائل الإعلام العالمية، وهو ما ينبغي النظر إليه بكل احترام لمن عانى من الابتزاز والخداع والذي كشفته الكثير من القصص المخفية في محاربة "العدو الإسرائيلي".
لا بد أن تحترم الشجاعة السياسية لدولة الإمارات وأن يسجل لها الإعجاب لمن يفهم الحال العربي والاسلامي في التعامل مع إسرائيل، ولأنها ترفض أن تتاجر بالفلسطينيين وقضية العرب المركزية والعادلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة