يصر أردوغان على انتهاك القوانين الدولية والقفز على حقائق الجغرافيا في محاولة بائسة لوضع يده على مصادر الطاقة في هذه المنطقة.
تتعرض غطرسة النظام التركي الحاكم لضربات متعددة تثبت أنه نظام يفتقد للحنكة السياسية ويعاني من غياب الرؤية والتخبط وعدم تقدير عواقب مغامراته غير المحسوبة التي تدفع ببلاده إلى مصير مجهول، أو التراجع المخزي عن مواقفه التصعيدية إذا شعر أنها ستورده موارد الهلاك، كما حدث مع واقعة إسقاط المقاتلة الروسية في شمال سوريا عام 2015، والتي دفع أردوغان ثمناً باهظاً لها حتى اضطر صاغراً للاعتذار شخصياً عنها.
وتحت وطأة التصعيد التركي ضد اليونان وإصرار أنقرة على مواصلة أعمال التنقيب غير المشروع عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، بدأت أوروبا تتحرك للجم هذه العنجهية التركية تجاه دولة حليف في الناتو، حيث أعلن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل أن الاتحاد سينظر في فرض عقوبات على تركيا بسبب نزاعها في شرق البحر المتوسط مع اليونان وقبرص، وأشار إلى إمكانية مناقشة المزيد من "الإجراءات التقييدية" ضد أنقرة في قمة المجلس الأوروبي المقبلة في سبتمبر الحالي. وبالتزامن مع ذلك، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده وضعت خطوطاً حمراء لتركيا في منطقة شرق المتوسط، مؤكداً أن أنقرة سترى الأفعال وليس الأقوال.
وهذه الجملة الأخيرة لماكرون تفسر بالضبط السلوك التركي، فنظام أردوغان يستمر في عنجهيته وغطرسته عبر إطلاق التهديدات الفارغة المضمون التي يهلل لها أنصاره والجماعات التي تدور في فلكه، ولا يأبه لتصريحات ومواقف الآخرين، إلا إذا اقترنت بتحرك فعلي في مواجهة هذه الغطرسة، ففي هذه الحالة فقط يبدأ هذا النظام بإعادة النظر في حساباته ومواقفه، ولا يجد أي مشكلة في تغيير مواقفه إلى النقيض تماماً عندما يجد أن الآخرين جادين في محاسبته على هذه التحركات والتهديدات. حدث هذا في واقعة المقاتلة الروسية التي أسقطتها أنقرة، وحدث أيضاً في الملف الليبي عندما تدخلت القاهرة بحسم ووضعت خطوطاً حمراء للميليشيات الموالية لأنقرة لعدم تجاوز خط سرت- الجفرة، ومرجح أن يحدث أيضاً في ملف شرق المتوسط إذا تمسك الأوروبيون بموقفهم الصارم تجاه أنقرة، ولاسيما مع إعلان تركيا عن نيتها إجراء محادثات مع اليونان في حال لم تفرض الأخيرة شروطا مسبقة.
ومشكلة النظام التركي أنه لا يتعلم من أخطائه، ففي سوريا فشلت كل محاولاته لدعم الميليشيات المتطرفة والجماعات المسلحة التي اندحرت أمام الدولة السورية التي فرضة سيطرتها على معظم أراضيها، واضطر أردوغان في النهاية إلى السير في الفلك الروسي الداعم للدولة السورية، ومع ذلك حاول تكرار الموقف نفسه في ليبيا مع توقع نتيجة مغايرة في أكبر مؤشر على الغباء السياسي الذي يتميز به، وقد رأينا في الأسابيع الأخيرة كيف أدت سياسته في الدفع بالميليشيات المسلحة والعناصر المتطرفة في هذا البلد العربي إلى إحداث انقسامات في صفوف هذه الميليشيات نفسها التي تحولت إلى عبء على حكومة الوفاق الموالية لتركيا وليس داعماً لها. وفي شرق المتوسط يصر أردوغان على انتهاك القوانين الدولية والقفز على حقائق الجغرافيا في محاولة بائسة لوضع يده على مصادر الطاقة في هذه المنطقة بشكل لا يقبله عقل أو منطق، ليصطدم بحائط الرفض الأوروبي والإقليمي والدولي لهذه التحركات غير القانونية.
لكن هذه الممارسات بدأت ترتد سلبياً على هذا النظام الذي يفقد مصداقيته أمام شعبه، على النحو الذي عكسته نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، وأصبح نظاماً منبوذاً إقليمياً وحتى دولياً وفاقداً للمصداقية الدولية بسبب مواقفه شديدة التقلب، كما ارتدت هذه السياسات بقوة على الاقتصاد التركي الذي أصبح يعاني بشكل انعكس على مختلف فئات الشعب التركي، الذي بات مدركاً أن هذا النظام أصبح عبئاً على بلاده أكثر من أي وقت مضى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة