هو الإرهاب في أبشع صوره وتجلياته، أن تقهر محامية يفترض أن تكون قادرة على تحصيل حقوق موكليها.
إنها تركيا "العدالة والتنمية" التي بشر الرئيس أردوغان شعبه بها قبيل تصويتهم منذ سنتين على الصلاحيات الرئاسية المطلقة التي جعلت منه دكتاتوراً حاكماً مدى الحياة، في تغيير جذري دخيل على بنية وشكل الحكم الذي أرساه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك قبل أكثر من تسعة عقود.
وإنه السلطان أردوغان الذي تجاوزت مدة حكمه لتركيا حتى الآن، مدة حكم أتاتورك، والذي يجمع في شخصه مهام وصلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وتؤول إليه جميع مهام وصلاحيات الوزراء الذين يقوم هو بتعيينهم، كما يقوم بإعداد موازنة الدولة "التي للمفارقة يمكن أن تعرض على البرلمان لاعتمادها وإذا رفض البرلمان اعتمادها تبقى موازنة العام السابق معتمدة وسارية المفعول"، وهو "السلطان" الجديد الذي يمسك بكل مفاصل الحياة حيث يتولى ضمن صلاحياته الرئاسية تعيين كبار مسؤولي الدولة بمن فيهم رؤساء الجامعات والقضاة.
أما عن العدالة والتنمية في تركيا أردوغان فحدّث ولا حرج، وليس آخر مفاخرها وفاة المعارضة التركية المحامية إيبرو تيمتيك بعد مرور 238 يوما على إضرابها عن الطعام للمطالبة بمحاكمة عادلة، إثر سجنها بتهمة الانضمام لمنظمة إرهابية، ففي عرف العدالة والتنمية يصبح كل معارض أو معترض إرهابياً يستحق الموت، ويصبح كل مطالب بحق، ضحية سياسات كم الأفواه وكتم الأنفاس، الأردوغانية بامتياز، حتى مع أقرب المقربين من الأصدقاء المخلصين، ورئيس وزراء تركيا الأسبق، رئيس حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو أيضاً خير دليل.
هو الإرهاب في أبشع صوره وتجلياته، أن تقهر محامية يفترض أن تكون قادرة على تحصيل حقوق موكليها، بل أن تجبرها على الامتناع عن الطعام حتى الموت، مفضّلة الموت على البقاء رهينة انتقاص الكرامة وسلب الحقوق من قبل نظام مارس ويمارس الإبادة الجماعية وسياسات القمع والإرهاب داخلياً وخارجياً، كما إنه الإرهاب الذي تفاخر به أجهزة أمنية مولجة بحماية حقوق المواطنين وأرواحهم وحفظ حقوقهم، فأن تطلق الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع وأن تطارد مئات المشيعين أثناء دفن المحامية الضحية لهو الإرهاب بعينه.
بقمعٍ للمعارضين لم تشهد له تركيا مثيلاً عبر تاريخها الحديث، وفسادٍ إداري وانهيار اقتصادي، وإرهاب داخلي وخارجي، وعمليات غزو مسلح واعتداء سافر في كل من العراق وسوريا، واحتلال مباشر في ليبيا، وابتزاز يومي لأوروبا كاملة ولأعضاء حلف الناتو، من سرقة لموارد البحر المتوسط النفطية والغازية، وتهديد بتصدير ملايين المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، يفخر أردوغان بمنجزات السنة الثالثة الرئاسية مطلقة الصلاحيات، فهنيئاً لمصاصي دماء الشعوب بجرائمهم ومصيرهم المحتوم وإن تأخر قليلاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة