غينيا كوناكري.. انقلابات أفريقيا ساحة تصادم لمصالح "قوى كبرى"
تلاحق أفريقيا تهمة "قارة الانقلابات"؛ بسبب تكرار تغيير السلطة بالقوة، من قبل ضباط الجيش، ووأد التجارب الديمقراطية في أكثر من دولة.
فكيف أصبحت أفريقيا بؤرة الانقلابات العسكرية، وهل من مؤثر خارجي، يؤجّج فواعل الاحتقان الداخلي، ويشجع القادة العسكريّين على اتخاذ خطوة تغيير السلطة، دون أن يقف شيء في طريقهم؟
ويرى خبراء في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة أن في الأمر "اشتباك مصالح للقوى الكبرى" بدول أفريقية بعينها، وأن هذا العامل هو المحرك الأساسي للانقلابات العسكرية التي تحدث من حين لآخر بدول القارة السوداء.
هذه الرؤية التقى عندها خبيران جزائريان في تصريحين متفرقين لـ"العين الإخبارية"، معتبرين أن الانقلاب العسكري على حكم الرئيس الغيني ألفا كوندي مرحلة جديدة من تسارع وتيرة الصراعات الخفية بين القوى الغربية التقليدية والجديدة على القارة، التي يجزم المراقبون بأنها "ستكون قلب اقتصاد العالم" في غضون العقدين القادمين.
- عسكريون في غينيا كوناكري يعلنون القبض على الرئيس وحل المؤسسات
- مامادي دومبويا.. من هو قائد انقلاب غينيا كوناكري؟
وأطاح جنود من القوات الخاصة بالرئيس الغيني ألفا كوندي الذي حكم البلاد لوقت طويل، وقاموا بحل حكومته يوم الأحد، ما دفع دول منظمة "إيكواس"، للمطالبة بعودة النظام الدستوري والتهديد بفرض عقوبات.
ونفذت الانقلاب وحدة من قوات النخبة بالجيش الوطني يقودها مامادي دومبويا، الذي قال إنه يعتزم تشكيل حكومة انتقالية، تعلن التفاصيل بشأنها في وقت لاحق.
وفي الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري، كان العقيد مامادي بكامل زينته العسكرية، يطلّ على الشعب الغيني عبر الإذاعة والتلفزيون الحكومي، ليعلن اعتقال كوندي، وحلّ المؤسسات، وتعطيل الدستور.
وانتقدت دول بينها فرنسا والولايات المتحدة واتحادات ومنظمات الانقلاب، داعية إلى العودة الفورية إلى النظام الدستوري منعا للانزلاق إلى العنف.
وبرر قائد الانقلاب استيلاءه على السلطة، بأنه وزملاءه في "اللجنة الوطنية للمصالحة والتنمية"، تحملوا المسؤولية لإنقاذ البلاد من "الوضع السياسي الرهيب، وانتهاك مبادئ الديمقراطية، واستقلال القضاء، وتسييس الإدارة العمومية، وتدهور الوضع المعيشي، والحريات العامة".
وعلى ضوء التطورات المتسارعة والمفاجئة التي شهدتها غينيا كوناكري، طرح مراقبون تساؤلات عن سر ما يحدث بالقارة الأفريقية، كان أكثرها تداولا: هل يؤكد الانقلاب العسكري الذي حدث بغينيا كوناكري دخول أفريقيا مرحلة جديدة من الصراع بين القوى الكبرى؟
فيما تلتقي كثير من القراءات على أن قواعد النفوذ والاشتباك بالقارة المنهكة بالأزمات والحروب تغيرت بين القوى التقليدية مثل فرنسا وأوروبا والولايات المتحدة من جهة، وبين روسيا والصين اللتين يُنظر إليهما من قبل الغرب على أنهما "تهديد عظيم" لمصالحها بأفريقيا.
انقلابات التبعية
الدكتور حسين قادري أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر أعطى قراءة لأبعاد خلفيات الانقلاب العسكري، والتي ربطها بالصراع المحموم بين القوى التقليدية الكبرى المهيمنة على القارة السمراء وقوى صاعدة وضعت أيضا هذه الرقعة الجغرافية نصب أهدافها الاقتصادية والسياسية والأمنية.
وأوضح، في حديث مع "العين الإخبارية" فيما يخص انقلاب غينيا كوناكري، أن الرئيس ألفا كوندي غيّر الدستور، للترشح لولاية ثالثة، وبالتالي فإن الرأي العام بهذا البلد يعتبره "رئيساً غير شرعي"، وأعطى فرصة للضباط المناوئين للقيام بالانقلاب.
ورأى المحلل السياسي بأنه لفهم خلفيات الانقلاب بغينيا كوناكري "يجب العودة والتركيز على سيرة قائد الانقلاب؛ فهذا الضابط الغيني زوجته فرنسية، والمعلومات تشير إلى أن المقربين من دول أوروبية هم من نصحوا الرئيس السابق بوضع مامادي دومبويا على رأس قوة عسكرية خاصة، وهناك معلومات أخرى تتحدث عن تحضيره ليقوم بعملية الانقلاب".
وهذه الدولة -يقول الخبير الجزائري- كانت مستعمرة فرنسة، ولذلك فإن أي بلد أفريقي يحاول التحرر أو يخرج عن طواعية الغرب أو مصالحهم فإن يقابل بخطوات استباقية.
وأشار إلى أنه "لا يوجد مجال للصدفة في أفريقيا، والانقلابات إلى الآن تُصنع من الخارج، ولذلك فإن الدول التي اكتملت تحررها يستحيل أن تشهد انقلابات، وهذا هو المؤشر مثل رواندا والتي بها شرعية تقف في وجه أي انقلاب عسكري".
ولفت الدكتور قادري إلى أنه "أينما كان هناك انقلاب فتأكد أن الضغوطات والمصالح الغربية تقف وراء ذلك في دول هذه القارة التي يكون ولاؤها أصلا للغرب، والرئيس الغيني المخلوع فقد شرعيته الشعبية، وكل هذه الحسابات لا تتقاطع مع المصالح الغربية لسبب أو لآخر".
واعتبر في هذا السياق أن "هكذا تُصنع السياسة والانقلابات في أفريقيا التي ما زالت بعض من دولها لم تتحرر فعليا، ليس في الجانب السياسي فقط، بل الاقتصادي والثقافي فهي لا تمتلك كل قرارها، وهذا وجه من أوجه التبعية في ظل وجود الديكتاتورية، وينتهز بعض الضباط الفرصة، لكن يستحيل الآن حدوث انقلاب عسكري بأفريقيا دون أن تكون هناك مساندة غربية".
وأنهى تحليله بالإشارة إلى أن كل المعطيات والأحداث السابقة تؤكد المقولة الشهيرة التي تقول إن "العالم سيتحرر عندما تتحرر أفريقيا".
"طابور فرنسي" بجيوش أفريقيا
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر الدكتور عبد الرحمن بن شريط استبعد وجود "أصابع روسية وصينية" وراء الانقلاب العسكري الذي حصل في غينيا كوناكري، لكنه رجح أيضا فرضية صراع المصالح الغربية المهددة من القوتين الآسيويتين في القارة الأفريقية.
وفي حديث مع "العين الإخبارية" أشار إلى أنه "تاريخياً فإن من وقف وراء الانقلابات العسكرية بأفريقيا خصوصاً بمنطقتي الساحل وغرب القارة السمراء هم الغرب خاصة فرنسا (باعتبارها المستعمر القديم)".
مضيفاً أن الصين "ليس لها أسلوب انقلابي واخترقت أفريقيا من خلال استعمال الاستثمارات والمساعدات، ولهذا أعتقد أن العملية الانقلابية التي حدثت في غينيا كوناكري وغيرها تتم من خلال ضباط أفارقة أنفسهم من دون تدخل مباشر من أي دولة، والوصول إلى هذه النتيجة يتم عبر عملاء سريين تتعامل معهم دول غربية تعرفهم جيدا ويتغلغلون في مفاصل الدولة".
وحاول المحلل السياسي إعطاء الانقلاب العسكري بغينيا كوناكري وقبلها دول أفريقية أخرى قريبة "بعدا تاريخياً"، معتبرا أن لفرنسا "دورا تاريخيا في الانقلابات العسكري"، مبررا ذلك بأنها "القوة الاستعمارية القديمة التي ما زالت مهيمنة على كثير من دول القارة وما زالت متغلغلة بها، وهي من كانت تضع الرؤساء، وعندما تتحرك بعض الجهات الأخرى يعاد تكرار سيناريو الانقلاب".
وعلى ضوء تحليله لخلفيات الانقلاب العسكري بغينيا كوناكري، نوه الدكتور بن شريط إلى أن ما حدث بهذا البلد الواقع غرب أفريقيا وقبلها في دول أخرى "هو وجه آخر من حماية المصالح الغربية في أفريقيا من تزايد النفوذ الصيني والروسي".
وقال في هذا الشأن إن "هناك رغبة من قبل هذه الدول التقليدية التي لها خبرة وتعتمد في اقتصادها على أفريقيا، ولذلك فهي تحرص كل الحرص على أن تضع بكل ثقلها من خلال ضباط يعملون لمصلحتها وهي من تكونهم ومن تعتمد عليهم".
وتابع قائلا: "لا توجد أي قوة حاليا وصلت إلى خبرة فرنسا في تحريك الانقلابات العسكرية ببعض الدول الأفريقية.. لم تصل لها موسكو ولا بكين".
وركز في ختام تحليله على نقطه اعتبرها جوهرية، والتي قال فيها إن "هناك محاولات من قوى كبرى للإطاحة بفرنسا لتمسكها بأفريقيا، لأنها تمثل لها قضية حياة أو موت".
aXA6IDE4LjExOS4xNjMuOTUg جزيرة ام اند امز