ما يجب أن ندركه أن حركة التاريخ بدأت فعليا تدفع بمنطقتنا نحو تغيير المفاهيم في العلاقات التقليدية مع الغرب بكل تفاصيله
من المؤكد أن منتدى دافوس يشكل الاهتمام الأكثر بين مسؤولي العالم بغض النظر عن مواقع دولهم الجغرافية أو مكانتها الاقتصادية، ومع أنه ما زالت الأفكار متضاربة حول فاعلية هذا المنتدى من حيث إنه أصبح منصة استعراضية بدلا من أن يكون منصة يتم من خلالها حل الأزمات والمشكلات العالمية، هذا المنتدى هو التعبير الأكثر وضوحا عن عمق الشراكة بين الاقتصاد والسياسة؛ فالحضور الأكثر بروزا في هذا المنتدى هم أصحاب السياسة وأصحاب الاقتصاد كمؤثرين حقيقين دوليا.
غالبا ما يشكل هذا المنتدى فرصة سانحة لكبار المؤثرين للتحدث بصراحة؛ كون هذا المنتدى لا يحظى بالرسمية ولا يترتب على ما يقال فيه أي التزامات، بل هو فرصة سانحة للكثير من الصفقات التجارية والسياسية غير المعلن عنها في العالم، وهذا ما رفع أسهم منتدى دافوس وجعله قبلة مهمة للكثير من رجال السياسة والاقتصاد.
خلال العقد الماضي اندفعت دول الخليج بشكل تلقائي لتكون في منطقة حساسة وفاعلة في المنظومة العالمية، وهو ما سوف يجعل من المنطقة حجر التوازن الدولي وفيصل الصراع العالمي.
السؤال الأكثر أهمية لنا نحن في الخليج والعالم العربي يرتبط بمعايير وكيفية تواجدنا في منتدى دافوس، خاصة أن معظم المشاركات العربية التي استطاعت رصدها تدور حول ثلاث مسائل إما أن نأتي لنشتكي وندافع، وإما نأتي لمجرد إثبات حضور، وإما نتحدث عن قضايا محلية تهمنا بشكل ذاتي بينما لا يرى فيها العالم أي فائدة.
أعتقد أننا في المنطقة العربية وتحديدا في المنطقة الخليجية، نمتلك الأدوات الأساسية لكي يكون لنا خطاب فاعل ومؤثر في دافوس، وهو منتدى ليس لاستعراض المنجزات والأعمال المحلية بقدر ما هو قدرة على التأثير في البوصلة العالمية تجاه القضايا الحساسة .
خلال العقد الماضي، تغير الكثير من المفاهيم ودخلت المنطقة الخليجية منعطفا مهما في التواجد على الخارطة العالمية، وخاصة في مجال الطاقة والتأثير السياسي والاقتصادي على مكونات النظام العالمي الجيد الذي يدخل فيه اليوم أطراف متنافسة تأتي في مقدمتها الصين وروسيا كمنافس رئيس للغرب التقليدي الذي تمثله أمريكا وأوروبا، بمعنى دقيق المنطقة الخليجية كسبت الكثير من المكانة العالمية نتيجة لموقعها الجغرافي وما تمتلكه من طاقة.
ما يجب أن ندركه أن حركة التاريخ بدأت فعليا تدفع بمنطقتنا نحو تغيير المفاهيم في العلاقات التقليدية مع الغرب بكل تفاصيله، فخلال العقد الماضي اندفعت دول الخليج بشكل تلقائي لتكون في منطقة حساسة وفاعلة في المنظومة العالمية، وهو ما سوف يجعل من المنطقة حجر التوازن الدولي وفيصل الصراع العالمي.
منطقتنا العربية، والخليجية على وجه الخصوص، تتجهز لتكون الفاعل الرئيس في سياق حركة تاريخية تتغير فيها موازين القوى الدولية، وهذا ما يستوجب استثمار الفرص وتقديم أنفسنا كدول تدرك مكانتها وموقعها على الخارطة العالمية، وهذا ما يستوجب الخروج نحو ثقافة التأثير بدل التأثر، فكل المؤشرات تعطينا الفرصة للعب دور مؤثر يجب ألا نفقده كما حدث في الماضي، فمنتدى دافوس يشكل الفرصة الأكبر لكي يستمع العالم إلى فهمنا وإدراكنا للتحولات العالمية ودورنا الفاعل فيها عبر إسماع صوتنا الأعلى بدلا من صوتنا الخافت المعتاد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة