اقتصادات الخليج.. أرقام قياسية تبرز الدور المحوري في التجارة العالمية
شهدت اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 2024 تطوراً لافتاً يعكس قدرتها على الصمود أمام التحديات الاقتصادية العالمية، وتعزيز مكانتها بين أكبر الاقتصادات التجارية في العالم.
فقد تمكنت دول المجلس من تحقيق نمو مستدام في التجارة الخارجية السلعية، بما يعكس نجاح استراتيجيات التنويع الاقتصادي، والانفتاح على الأسواق العالمية، وتطوير البنية التحتية المتقدمة، ما يسهم في دعم التنمية المستدامة وتحقيق رفاهية شعوبها.
وتعكس هذه القفزة الاقتصادية التزام دول المجلس بالاستثمار في القطاعات غير النفطية والتقنيات الحديثة، بما يشمل التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، والمشاريع البيئية، لتكون اقتصادات الخليج قادرة على المنافسة في أسواق عالمية متقلبة ومتسارعة.
وانطلقت في مملكة البحرين اليوم الأربعاء، فعاليات القمة الخليجية السادسة والأربعين، لتجتمع فيها قادة دول المجلس لبحث سبل تعزيز التكامل الإقليمي ومتابعة تنفيذ المشاريع المشتركة. وتعكس القمة أهمية التشاور المستمر بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والتنموية والاستراتيجية، كما توفر منصة لمراجعة الإنجازات الاقتصادية وتعزيز التعاون في مختلف القطاعات الحيوية، بما يضمن استمرار مسيرة التنمية وتحقيق تطلعات المواطنين نحو استقرار اقتصادي واجتماعي.
وبحسب المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، سجلت التجارة الخارجية السلعية لدول المجلس في العام 2024 ارتفاعا بنسبة 7.4% مقارنة بالعام 2023، لتصل إلى نحو 1.6 تريليون دولار أمريكي، مقارنة بنحو 1.5 تريليون دولار في 2023، مسجلة بذلك أعلى مستوى في تاريخ المجلس خلال الفترة 2017-2024.
ويعكس هذا النمو المتزايد تنوع مصادر الدخل وزيادة الاعتماد على الصادرات غير النفطية، إضافة إلى توسع إعادة التصدير، في حين شهدت صادرات النفط والغاز الطبيعي انخفاضا طفيفا بنسبة 1.8%، دون احتساب التجارة البينية بين دول المجلس.
وبالتفصيل، بلغت قيمة إجمالي الصادرات السلعية الخارجية نحو 850 مليار دولار أمريكي في 2024، مقارنة بنحو 821 مليار دولار أمريكي في 2023، بزيادة نسبتها 3.4%. ويعزى هذا النمو بشكل رئيس إلى ارتفاع الصادرات غير النفطية بنسبة 22.5%، وزيادة إعادة التصدير بنسبة 1.4%، وفقا لبيانات نقلتها وكالة الأنباء السعودية "واس".
في المقابل، سجلت الواردات السلعية الخارجية ارتفاعا لافتا، لتصل إلى نحو 740 مليار دولار أمريكي في 2024، مقارنة بحوالي 659 مليار دولار أمريكي في 2023، بزيادة قدرها 12.3%، وهو ما أدى إلى تسجيل فائض تجاري قدره نحو 110 مليارات دولار أمريكي، مقابل 162 مليار دولار في 2023، مسجلا انخفاضا نسبته 32.4% نتيجة ارتفاع الواردات بوتيرة أسرع من نمو الصادرات.
وعلى صعيد الشركاء التجاريين الرئيسيين لدول المجلس، تصدرت الصين قائمة الشركاء بحجم تبادل بلغ نحو 299 مليار دولار، ما يمثل 18.8% من إجمالي التبادل الخارجي، تلتها الهند بـ158 مليار دولار (9.9%)، واليابان بـ114 مليار دولار (7.2%).
أما الولايات المتحدة الأمريكية فحلت في المرتبة الرابعة بحجم تبادل بلغ 89 مليار دولار (5.6%)، تلتها كوريا الجنوبية بـ88 مليار دولار (5.5%)، مسجلة نموا ملحوظا مقارنة بالعام السابق.
واستحوذت هذه الدول الخمس على نحو 47% من إجمالي التجارة الخارجية لدول المجلس مع العالم، ما يعكس عمق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الخليج وهذه الاقتصادات العالمية الكبرى.
وفيما يخص الصادرات الخارجية حسب الدول الشريكة، حافظت الصين على مكانتها كأكبر شريك تصديري لدول المجلس بقيمة 137 مليار دولار أمريكي (16.2%)، تلتها الهند بـ103 مليارات دولار (12.1%)، واليابان بـ83 مليار دولار (9.8%)، وكوريا الجنوبية بـ74 مليار دولار (8.7%)، فيما جاءت العراق في المرتبة الخامسة بقيمة 36 مليار دولار (4.2%).
وسجلت هذه الدول الخمس مجتمعة نحو 51% من إجمالي الصادرات الخارجية لدول المجلس، بقيمة إجمالية بلغت نحو 433 مليار دولار، وهو ما يؤكد الأهمية الاستراتيجية للأسواق الآسيوية في دعم الصادرات الخليجية.
أما الواردات الخارجية فقد حافظت الصين على صدارة الشركاء، بقيمة واردات بلغت 161 مليار دولار (21.8%)، تلتها الولايات المتحدة بـ57 مليار دولار (7.8%)، والهند بـ55 مليار دولار (7.4%)، واليابان بـ31 مليار دولار (4.2%)، وألمانيا بـ27 مليار دولار (3.6%)، واستحوذت هذه الدول الخمس على نحو 45% من إجمالي واردات دول المجلس، مما يعكس اعتماد الخليج على شركائه الرئيسيين في آسيا وأمريكا وأوروبا لتلبية احتياجاته من السلع الصناعية والتكنولوجية، بالتوازي مع استمرار دوره كمورد رئيس للطاقة والمواد الأولية للأسواق العالمية.
وتعكس هذه البيانات الدور المحوري للقارة الآسيوية في الاقتصاد الخليجي العالمي، سواء من حيث تدفق الصادرات أو تنوع الواردات، كما تؤكد تحول دول المجلس نحو تعزيز الشراكات الاقتصادية مع الأسواق العالمية الكبرى، مع الحفاظ على التوازن بين متطلبات التنمية المحلية والمنافسة الدولية.
وعلى الصعيد العالمي، حافظ مجلس التعاون على مكانته ضمن أكبر الاقتصادات التجارية، حيث ارتقى إلى المرتبة الخامسة عالميا في حجم التبادل التجاري السلعي، بحصة بلغت 3.2% من إجمالي التجارة العالمية، مقارنة بنحو 1.5 تريليون دولار في 2023، كما حافظ على المرتبة الخامسة عالميا في الصادرات السلعية، بقيمة 850 مليار دولار (3.5% من الإجمالي العالمي)، بينما تقدم إلى المرتبة الثامنة عالميا في الواردات بعد أن كان في المرتبة التاسعة في 2023، مسجلا أعلى معدل نمو بين أكبر عشر اقتصادات.
وتعكس هذه النتائج التوازن الاقتصادي لدول المجلس بين نمو الصادرات واتساع الواردات، مع استمرار تحقيق فائض تجاري كبير، رغم انخفاضه من 162 مليار دولار في 2023 إلى 110 مليارات دولار في 2024، وهو ما يظهر مرونة الاقتصاد الخليجي وقدرته على مواجهة التقلبات العالمية.
وتأتي هذه الإنجازات نتيجة جهود مستمرة لدول المجلس في تعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون الإقليمي منذ تأسيسه عام 1981، عبر وضع مشاريع مشتركة وتنفيذ استراتيجيات تنموية متكاملة، شملت تطوير البنية التحتية، وتوسيع شبكات النقل والاتصالات، ودعم التحول الرقمي، وتشجيع الابتكار والذكاء الاصطناعي، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز رفاهية المواطنين.
وفي قطاع النقل والمواصلات واللوجستيات، تم تنفيذ مشاريع ضخمة مثل سكة الحديد الخليجية، التي تربط دول المجلس من الكويت شمالا إلى مسقط جنوبا، مرورا بالمدن الكبرى، وتوفير بنية تحتية بحرية وجوية متطورة تشمل أكثر من 25 ميناء رئيسيا و23 مطارا دوليا، وإنشاء مركز العمليات البحرية الموحد، لضمان أمن الملاحة وحماية المياه الإقليمية. وقد تجاوزت دول المجلس المتوسط العالمي في تنافسية الأداء اللوجستي وفق مؤشر البنك الدولي لعام 2023، كما أدرجت ضمن أفضل 21 سوقا ناشئة من حيث جاهزية بيئة الأعمال والقدرة التنافسية اللوجستية، وفقا لبيانات نقلتها وكالة أنباء البحرين.
وفي مجال البنية التحتية الرقمية والتكنولوجيا، اعتمد المجلس أول استراتيجية استرشادية خليجية موحدة للحكومة الرقمية والذكاء الاصطناعي (2024 – 2030)، وتم تقييم جميع دول المجلس بـ"عال جدا" في مؤشر الأمم المتحدة لتنمية الحكومة الإلكترونية لعام 2024.
وشملت الإنجازات إنشاء بوابة إلكترونية موحدة، وتطبيق الإطار الموحد للنفاذ الرقمي، واستخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة والتنبؤ بالمناخ وإدارة الكوارث، بالإضافة إلى المشاركة في المحافل الدولية مثل منتدى IGF ومعرض LEAP وGITEX، ما يعزز مكانة الخليج كمركز رائد للابتكار الرقمي.
وعلى صعيد الأمن الغذائي، تم اعتماد استراتيجيات إنتاج محلية موحدة بين دول المجلس، مع تعزيز التكامل الزراعي، وتوطين الموارد، وإنشاء المركز الخليجي لتقييم المخاطر الغذائية، وإقرار نظام الغذاء الموحد، ما يضمن استدامة الأمن الغذائي وتحقيق أعلى مستويات جودة وسلامة الأغذية.
كما أولت دول المجلس اهتماما بالبيئة ومواجهة تغير المناخ، عبر اعتماد سياسات الحد من الانبعاثات الكربونية، وتعزيز الطاقة المتجددة، وتحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول 2050، ودمج الاقتصاد الأخضر ضمن خطط التنمية، مع توفير فرص عمل نوعية في الطاقة النظيفة وإدارة النفايات والتقنيات الحديثة، بما يسهم في التنمية المستدامة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ويجسد الأداء الاقتصادي لدول المجلس نجاح جهود التكامل الإقليمي على كافة الأصعدة، حيث تعكس البيانات قدرة دول الخليج على الاستفادة من موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية، وتوسيع شراكاتها التجارية مع أكبر الأسواق العالمية، مع تعزيز مشاريع البنية التحتية، والرقمية، واللوجستية، والبيئية، بما يرسخ مكانة دول المجلس كمركز اقتصادي رائد وقوي على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويؤكد استمرار الريادة الخليجية في التجارة العالمية خلال الأعوام المقبلة.