كيف نُطبق ما يقوله العلم الحديث عن إمكانية تخطيط العلاقات الدولية على علاقات محورية في المنطقة العربية، مثل العلاقات الخليجية المصرية؟ إنها محورية بالفعل، ونحتاج إلى هذا التخطيط حالياً بسبب الأزمة التي تمر بها المنطقة.
كيف نُطبق ما يقوله العلم الحديث عن إمكانية تخطيط العلاقات الدولية على علاقات محورية في المنطقة العربية، مثل العلاقات الخليجية المصرية؟ إنها محورية بالفعل، ونحتاج إلى هذا التخطيط حالياً بسبب الأزمة التي تمر بها المنطقة.
يعتقد كثيرون أن العلاقات الدولية - حتى الثنائية منها - هي من التعقيد بحيث لا يمكن التنبؤ بمسارها، وبالتالي لا يمكن تخطيطها، ونتيجة لهذا الاعتقاد الشائع، هناك من يقبل مبدأ الارتجال في العلاقات الدولية بدلاً من محاولة ضمان الحد الأدنى من التخطيط والتحكم.
وقد جاء أسلوب المحاكاة كبديل للارتجال وللحد منه، وكانت البداية في المجال العسكري، فالمناورات العسكرية داخل الجيوش، وفيما بينها ما هي إلا نوع من المحاكاة في تخطيط الحروب واستخدام الأسلحة من مدرعات ومدفعية وطيران، في أي توقيت، وحتى يتحقق الهدف المطلوب.
ولا تستخدم المحاكاة السياسية مثل هذه الأسلحة، لكنها تلجأ للتهديد باستخدامها. ولا تقتصر المحاكاة على النواحي العسكرية والسياسية، بل أيضاً تستخدمها الشركات لمواجهة المنافسين اقتصادياً. وانتشر استخدام المحاكاة حديثاً في المعاهد الدبلوماسية، وأصبحت وسيلة رائعة لتعليم التخطيط وتعلمه بدلاً من الوقوع المستمر في فخ المفاجآت. لا يعني هذا بالطبع أنه في مجال العلاقات الدولية مثلاً يمكن القضاء تماماً على مثل هذه المفاجآت، ولكن الهدف هو الاستعداد لمعظمها وإعداد السيناريوهات المختلفة لمواجهتها.
ولنحاول تطبيق هذا الأسلوب العلمي الحديث في المجال السياسي على العلاقات المصرية الخليجية، وهي علاقات محورية بين جناحين مهمين من المنطقة العربية، كما أنها تعكس أنماطاً مختلفة، مثلاً التوتر بين القاهرة والدوحة، والعلاقات الأخوية الوثيقة والتشاور المستمر بين القاهرة ومعظم العواصم الخليجية الأخرى.
ولعل العلاقات المصرية السعودية تمثل قلب وركيزة العلاقات المصرية الخليجية، كما يُبين لنا التاريخ العربي الحديث، فمثلاً كان الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز الزعيم العربي الوحيد الذي تم إبلاغه بساعة الصفر في حرب أكتوبر 1973، كما أنه هو من قام بالتنسيق مع باقي الدول الخليجية للإسراع بفرض الحظر البترولي ضد الولايات المتحدة وهولندا وغيرهما من الدول التي بالغت في تأييد السياسات الإسرائيلية في المنطقة العربية.
غير أن هذه العلاقات ربما تأثرت بالحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في مصر الشهر الماضي، والذي قضى ببطلان توقيع الحكومة المصرية اتفاقاً يعترف بسعودية جزيرتي تيران وصنافير اللتين تتحكمان في الممر الذي أدى إغلاقه إلى حرب 1967 (حرب الأيام الستة)، وبالتالي نواجه الآن معضلة من أعقد المعضلات التي يعرفها القانون الدولي، وهي تنازع القوانين بين الداخل والخارج!
هنا تأتي أهمية التخطيط عن طريق المحاكاة.. وليكن المشاركون فيها أعضاءً في بنوك الفكر على جانبي البحر الأحمر، مثل المعهد الدبلوماسي في كل من القاهرة والرياض، على أن نقوم بتبديل الأدوار، أي أن يقوم السعوديون بدور المصريين ويقوم المصريون بدور السعوديين، حتى نتجنب إثارة الشعارات الوطنية الرنانة غير المفيدة، وحتى تتاح الفرصة لكل فريق كي يطلع بدقة على موقف الطرف الآخر. بالطبع ليس من الضروري أن تقتصر المحاكاة على مؤسسات مصرية أو سعودية، بل يمكن مثلاً مساهمة مراكز أبحاث أخرى خليجية أو مغاربية، كما يمكن اختيار موضوعات أخرى للاستكشاف والتخطيط غير تيران وصنافير، ولتكن مثلاً العلاقات الخليجية مع إيران، أو مع الولايات المتحدة في عهد ترامب، أو حتى تخطيط مستقبل مجلس التعاون الخليجي.
المهم هو عدم الخضوع لمقولة أن العلاقات الدولية ما هي إلا فوضى عارمة، ثم قبول مبدأ الارتجال واستحالة استشراف سيناريوهات المستقبل.
*نقلاً عن " الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة