رافقتني هذه الجملة (الإمارات دولة حديثة) وأنا أُصغي لها وقلبي شارد الذهن أتذّكر طفولتي والأحداث القاسية
ترتيلة الحضارة
قبل أكثر من 10 سنوات أو بالأحرى قبل قيام ثورات ما يسمى بالربيع العربي أو الإعصار إن صح القول همست في أذني صديقة لي من بلد شقيق أن دولة الإمارات كالطفل المدلل لن يعتمد على نفسه، ولن يصمد أمام تحديات الحياة ومعارك العالم المختلفة، وعند أول مشكلة سيواجهها سيقع متعثراً وربما يبكي!
وظلت تتفاخر أنها من بلد له حضارات قبل آلآف السنين، في حين أنني من دولة حديثة وأن سلاحنا الوحيد هو المال وسرعان ما ينضب! وأنها بهذا المال لن تفعل شيئاً ليذكره الأجيال القادمة! ذهول لم ينفك من رفد تفكيري!!
لقد رافقتني هذه الجملة (الإمارات دولة حديثة) وأنا أصغي لها وقلبي شارد الذهن أتذكر طفولتي والأحداث القاسية التي جعلت من شعب الإمارات يعيش فترة الصبا، وكيف أن بعض الذكريات استساغها العقل لتمر خلسة ليسردها لي كشريط سينمائي يعرض في هذه اللحظة بالذات، عندما كنت ألعب في فناء المنزل و فجأة حلقت طائرة فوق رأسي، وهربت على إثرها خائفة فصوتها لطفلة صغيرة مخيف و مزعج!
تذكرت حينها كيف كانت طفولتنا جميلة وأفكارنا عفوية فصوت الطائرة الذي أخافني وأنا صغيرة هو نفس صوت التحدي الذي حشرج بداخلي عند سماع صوت صديقتي، فهي تتحدث عن جزء من كياني عن تراب وطئته وعشت عليه عن وطن بحجم الكون يتربع في عرش القلوب، عن شعب يبني الإنسان قبل كل شيء، والأجمل أنه عن تاريخ له ينبوع ضارب في الجذور، لكن رفعت رأسي لأنظر للطائرة وهي تبتعد ويختفي صوتها شيئاً فشيئاً، تماماً ككلام صديقتي! سمعته ورحل كالسراب في خضم تحديات نافسنا فيها بتحدي كل مجريات المستقبل عن حضارة لها عبقرية فريدة حديثة العهد لكنها نالت من التحديات الشيء الكثير.
ترتيلة الشهداء
التزمت الصمت على مضض، إلى أن مرت السنين ورفعت رأسي مجدداً، لأرى اسم الإمارات في سماء الوطن العربي مميزة بأضوائها السبعة، كنت أُحدث نفسي أن لا وجود للفشل، وأن الإمارات لن تكون إلا في مصاف الدول المتقدمة.
ففي الوقت الذي تتباهى بها الدول بحضاراتها القديمة وبنائها للحجر والتي كانت بمثابة عجائب لدنيانا، توقفت لأعلن أن حضارتنا لن يبنيها إلا فكر الإنسان، نحن نتغنى بطائر الاتحاد الذي يحمل راية الإمارات ونفتخر بأهرام السعادة والتسامح والخير، ونتباهى بأنهار الحب والولاء التي ينهل منها الشعب لقادته، وحدائق معلقة في أبراجنا تطل في السماء، نحن نعتز بدماء الشهداء أبناء الوطن وشبابه يصنعون حروف ومجد الإمارات بدمائهم وينقشون حبهم وولاءهم في تضحياتهم، يتحدثون عن وطنهم بصمت.
فالوعي التاريخي والحضاري لبناء الوطن يبدأ من وجود الشباب المفكر والمحب لوطنه، ولأننا نبني الإنسان قبل المكان، لم يتوانَ قادتنا ولو للحظة في تذليل الصعاب لهم وتقييد كل صعوبات الحياة، فلن نجد وطناً جمع كل مقومات الحياة في رفاهيتها وكبريائها، وصنع من الإنسان حضارات الفكر والثقافة والعلم والمجد دون هدم أخلاقيات التعايش مع الأُمم الأخرى ودون المساس بأساسيات العقيدة الإسلامية أو تحريف الدين لمُبتغى دنيوي أو انحراف فكر.
ترعرع شبابنا وهم ينعمون برغد العيش ورفاهية الحياة بحب الوطن وإعطائه حقوقه وعلى تراب قاسوا وتعلّموا أن العطاء يُبذل مقابل الأخذ، فكما أن الوطن أعطاهم كل الحق في العيش بكرامة فعليهم واجب ردّ الجميل ولم نسمع عن شاب تخاذل أو رفض أن تكون دماؤه إلّا في سبيل الدفاع عن وطنه رافعاً اسمها بين البلدان، فلم تعد دولة الإمارات فقط دولة اقتصاد ونفط كما فهم البعض، بل دولة شامخة فكراً ورأياً وعلما، فلن نرضى إلّا بالمركز الأول ولن نسمح للذي يدّعي أن الحضارة (من كان أبي) بل سنقول: ها نحن ذا وبكل فخر، فالحضارات التي شُيّدت من آلآف السنين هدمها الإنسان في بِضع سنوات، وها نحن في 40 عاما نبني حضارة لن يصنعوا مثلها خلال آلآف السنين!
ترتيلة التحدي
ماذا الآن يا صديقتي؟! هل أقنعك واقعنا اليوم! أم ما زلتِ تبكين على الأطلال؟ أم مُعجبة بما آلت إليه حضارات الحجارة وما جناه فكر الإنسان لها من هدم وفوضى؟!!
إذ أن الاُمم لا تبني الحضارات بيد وتهدمها باليد الأخرى، بل إن الإنسان هو الذي يتحدى ويبني بفكره وعلمه وولاءه لوطنه وقادته، تمنيت أن أراها لأُعرّفها لم آثرت الصمت لأنه أبلغ من الكلام المنمق دون هدف، ليتها عاشت أيامنا لترى حضارة جديدة للقراءة والتسامح والسعادة والخير، لترى حضارتنا كيف بدأت وإلى أين صارت!
أنهيتُ تراتيل وطني، وأنهيتُ سردها ولم أُنهِ تفاصيلها، فهي لا تزال تُروى بدماء شهداء الوطن مع كل قطرة تُراق في سبيل الكرامة، ومع كل دمعة يتيم نال والده شرف الشهادة ومع كل دمعة أم لشهيد رفعت رأسها كرامة لابنها ومع كل دمعة زوجة طاهرة صابرة مُحتسبة شهادة زوجها، ومع كل مواطن يُحب وطنه، ومع كل قائد يتفانى لرخاء شعبه.
عند الحديث عن تراتيل الوطن تجف الأقلام وتقف الكلمات عاجزة عن التعبير بما تُخالجه النفس، فلتكن إرادتنا هي أسمى أهداف بناء الوطن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة