الزمن الخليجي والمعايير الخليجية تدخل مرحلة مختلفة مع انعقاد القمة الثانية والأربعين في الرياض.
لم تعد منطقة الشرق الأوسط ملتزمة بهدوئها الإجباري، فقد حدثت تحولات كثيرة أنتجت منطقة مختلفة من حيث الأداء السياسي والاقتصادي، ومن الطبيعي أن يكون لذلك أثر كبير على دول الخليج العربي وكيانها الوحدوي -مجلس التعاون الخليجي- الذي شكّل بداية التاريخ للدول الست في هذا المجلس، الذي سعى قادته منذ انطلاقته لإقامة تصورات منفتحة على العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا. ودول الخليج العربي اليوم هي الأقرب بشعوبها إلى تحقيق هذا الانفتاح، فلم تعد الشعوب الخليجية بمعزل عن أهم أحداث الكون وتحولاته.
دول الخليج العربي، بحكم الفرص الاقتصادية الكبرى التي توفرت لشعوبها، استطاعت أن تحتل الكثير من المراكز المتقدمة في مؤشرات التنمية والاقتصاد في عالم اليوم، وأن تقدم نفسها للمجتمع الدولي كمتعامل مميز مع آليات التواصل الثقافي والتكنولوجي التي حققها العالم المتحضر، وأصبحت القضية المرتبطة بالشعوب الخليجية قضية التعايش مع ظواهر متغيرة أحدثها
الزمان والمكان، الذي صنعته دول الخليج.
السياسات الخليجية في الدول الست تنافست على ترقية مستوى الوعي الشعبي إلى أقصى درجة ممكنة، لذلك استطاعت الشعوب الخليجية أن تشعر بتفوقها في إطار منطقة الشرق الأوسط.. فأصبحت دول الخليج مركز استقطاب مطلوبا لشعوب المنطقة العربية بالدرجة الأولى.
واليوم، يتقدم جيل جديد من القيادات الخليجية المشهد بطموحات عالية وشعوب تشارك تلك القيادات الطموح العالي، ولأن الزمن يتغير والمعايير تتجدد فالتاريخ سيكون هو المعلم الأكبر عندما ينقلنا إلى تجربة التحديات التاريخية، التي واجهت الدول العربية في القرن التاسع عشر تحديدا عندما كانت رهانات التحديث على أشدها، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.
وتعيش حاليا الدول الخليجية ذات الفترة والاتجاهات، وإن بشكل مختلف، نحو تفعيل الإصلاحات والتنافس في استثمار التقنية، التي اختصرت الزمن، وهنا يأتي البحث عن مدى ملاءمة هذه التحولات لأنماط دول الخليج العربي وضرورة التفكير بعمق نحو تحقيق الاستقرار والتماسك لها على جميع المستويات.
المؤشرات، التي يطرحها قادة الخليج العربي اليوم، تدرك أن الزمن تغير، وأن التعامل التقليدي مع القمم الخليجية لا بد أن يكون مختلفا، ومن الطبيعي أن تكون هناك كثير من المخاضات العسيرة للعبور بهذه الدول نحو الثبات في مواجهة تحديات المنطقة، خاصة أنه أصبح من الواضح أن الشعوب الخليجية في مساراتها التطورية حققت الكثير من الإنجازات، وهذا ما سمح لهذه الدول بإنتاج مقولاتها الخاصة في مسيرتها التطويرية.
القمم الخليجية اليوم تتطلع إلى تجاوز المفهوم التقليدي لتعريفها، فالتطور يفرض نفسه، ولكن المفصل الحقيقي في قمم الدول الست هو إيمانها بأن اتحادها وتكاملها هو المسار الأنسب والخيار الأوحد لبناء منظومة تطويرية قادرة على مواجهة التحولات والأزمات، خاصة أنه يمكن لأزمة واحدة في المنطقة الخليجية -كأزمة السلاح النووي الإيراني وتعقيداتها- أن تخلط أوراق المنطقة بأكملها، وهذا ما يتطلب اللجوء إلى بناء معايير مشتركة موحدة لتشكل الأسس الثابتة لمسيرة دول الخليج العربي في القرن الحادي والعشرين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة