"مَن كثُر كلامُه كثُر سَقَطُهُ".. حكمة عربية تكشف زيف ما نسمعه من تنظيمات إسلاموية، إما بتصريح متناقض أو إعلان ينفيه أحدهم ويثبته آخر.
يجد هؤلاء أنفسهم في مأزق دائماً، فيختارون مبرراتِهم إزاء كثير من القضايا بمنطق يجافي العقل، خصوصاً حين يقعون بين أيديولوجيا معلنة ومصالح سياسية خفية، فيضطرون حينها إلى العودة للعزف على وتر الوجدان الديني، لتحويل الأنظار عن قصور يعتري منطقهم هذا.
عبر هذا الطريق، يلوك أمثال هؤلاء مراراً وتكراراً ما يسمى "تدويل الحج والعمرة"، إذ يربطون كل ديني بشعارات سياسية دون شعور بالخجل من التناقض بين مسألتي العبادة وإقامة الركن الخامس للإسلام وبين توظيفهم السياسي، ولعل الكل يتذكر مشهد الهتاف السياسي، الذي أطلقه معتمرون أتراك في الحرم المكي "نُصرة للقضية الفلسطينية"، حسب زعمهم، كأنهم في ساحة اعتراض سياسي لا ساحة صلاة وعبادة.
في الحج، ينشدُ الإنسان غفران ذنوبه ومعاصيه.. فالحج عبادة أساسها السكينة والسلام والهدوء والوقار لمناجاة الله، وليس استغلالا سياسيا ضد هذا أو ذاك، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، كما أنه ليس استحقاقا انتخابيا يحقق كلُّ خصم فيه نقاطاً ضد خصمه، وليس مناسبة للبيانات والاحتجاجات وغيرها من ممارسات ودعوات استغلال المناسك، فضلا عن أن إثارة النعرات بكل أنواعها في الحج لا تجوز شرعاً.
وفي ذلك يقول الله سبحانه في كتابه الكريم: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ".
لقد أفشلت السعودية دائما محاولات تسييس الحج، فخلال السنوات الأخيرة وكلما اقترب موسم الحج، سعى هؤلاء للدفع به نحو أكاذيب يروجونها مثل "منع الحجاج من السفر إلى المملكة"، بينما نجد أن إجراءات المملكة في كل عام تمثل ترحيباً بالجميع.
هذه المحاولات من أذرع إعلامية إخوانية لم تتوقف، سواء بالتشكيك في إدارة السعودية للحرمين الشريفين، أو بالمطالبة بما يسمى "تدويل الحج"، وهذا دليل على حقد دفين وانعدام رؤية، وجزء من الحرب على السعودية فقط لأنها تمثل المسلمين المعتدلين.
وعلى مدار نحو أربعة عقود، فشلت محاولات تسييس الحج، التي تروّج لها دول راعية للإرهاب، فما أشبه الليلة بالبارحة، فبينما كانت إيران تقترح "تشكيل لجنة دولية للإشراف على الأراضي المقدسة" تحت هذا الزعم الذي يرفضه الواقع من "عدم قدرة السعودية على تنظيم شعائر الحج سنوياً"، نجد الاتهامات تتجدد عبر أبواق تنظيم الإخوان، وهذه المرة برفضها الالتزام بالإجراءات الاحترازية الصحية، التي توليها المملكة أهمية لسلامة الحجيج، تستراً وراء أكذوبة أن ذلك "تعطيل" لفريضة الحج و"صد عن سبيل الله"!
لقد تعودنا من المملكة وسلطاتها الرسمية ومواطنيها تقديم أقصى ما يمكن من تسهيلات ورعاية وخدمات لضيوف الرحمن، ولستُ أخال أن دولة على وجه الأرض بمقدورها استقبال ملايين المسلمين من شتى أرجاء المعمورة ومن مختلف الأعراق والأعمار واللغات وطرائق التفكير ومستويات التعليم في وقت واحد ومكان واحد، وتنجح بامتياز كل عام في رعايتهم الرعاية الكاملة وتوفر لهم كل أسباب وسبل الراحة مثلما تفعل المملكة، التي دائما ما تكون حريصة على سلامة الحجاج وصحتهم وأمنهم حرصاً بالغاً، امتداداً لعملها الحريص على مصلحة المسلمين في كل مكان وزمان.
لذا جاء قرار المملكة بقصْر الحج هذا العام على مواطنيها والمقيمين بداخلها بحد أقصى 60 ألف حاج، مع اشتراطات صحية وسنِّية، من باب المحافظة عليهم وتغليب المصلحة العامة وحفظ الأرواح، وهذا بالطبع ينسجم مع إجراءات الحد من تفشي "كورونا".
السعودية بهذا القرار تؤكد من جديد حرصها الكامل على حقوق الإنسان وخدمة الصالح العام للمسلمين بتمسكها الواعي بأن تكون الحالة الصحية للراغبين في أداء مناسك الحج بلا أمراض مزمنة تعرّض صاحبها لاحتمالات مواجهة أخطر أمام فيروس قاتل.
نعم، تستمر جماعات الإسلام السياسي في اللف حول نفسها بتكرار خطابها الإعلامي التحريضي ضد المملكة، وتكمل "اللف والدوران" بتكرار خطاب المظلومية الكاذبة والمزيفة، وكل يوم يستيقظ فيه المسلمون ينتظرون فصلا جديدا من الفشل لهذه الجماعات، التي لم تعد جزءا إيجابيا من المنطقة، بل صارت كطالب بليد كثير الشكاوى رغم أنه أساس المشكلة، في محاولة فاشلة للنيل من السعودية، ذات المكانة الدينية الإسلامية العالمية، ففي عقيدة هذه التنظيمات "لا يوجد مقدس إلا التنظيم، ولا اعتراف بحُرمة مكان أو شعيرة إلا وفق معايير قيادات التنظيم".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة