تعاملت الحكومة القطرية مع ملف الحجاج القطريين بطريقة صبيانية ومستفزة لشعبها؛ فخاطبته كما أنه لا يدرك كذب مزاعمها.
منذ أن بدأت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب مقاطعتها لقطر، والدوحة تحاول أن تقفز على الأزمة، من خلال التدابير الانتحارية، في الحقل الاقتصادي على وجه التحديد، وتكابر زاعمة قدرتها على الاستمرار، والحقيقة مغايرة لذلك تماما، وكل هذا قد يكون مفهوما إلى حد كبير، لكن ما حدث أخيرا في ملف الحج كان سقطة لا تغتفر، وسابقة تاريخية لن تمر بهدوء.
العبث الكبير الذي قامت به السياسة القطرية المراهقة، ارتكز في بدايته على المناداة بـ"تدويل الحج"، تماما كالقذافي وإيران، معتقدين أن الحديث في هذا السياق ضرب من الملاسنات الإعلامية، فلما جاء رد الرياض صارما وحادا، بأنه بمثابة "إعلان حرب"، تراجعت الدوحة بعدما تبرأت من هذا القول، ثم انزوت في زاوية "تسييس الحج"!
تعاملت الحكومة القطرية مع ملف الحجاج القطريين بطريقة صبيانية ومستفزة لشعبها؛ فخاطبته كما أنه لا يدرك كذب مزاعمها، بعدما حاصرته بشتى الطرق الممكنة لتكون حائلا بينه وبين حجه، وتقدم مشروعها السياسي المتخبط على دينهم.
وللرصد التاريخي، وهذا واجب السرد والتأكيد، فقد أغلقت التصاريح في وجوههم، ثم منعتهم من السفر عبر الخطوط المسموحة بالدخول للسعودية، فكان رد السعودية أن أعفت الحجاج القطريين من التصاريح، وفتح المنفذ البري لهم، وسيرت طائرات لنقلهم، على نفقة خادم الحرمين الشريفين؛ ما وضع الحكومة القطرية في حرج وارتباك، ورغم هذا تبجحت برفض استقبال الطائرات السعودية!
لديَّ صديق قطري يتواصل معي منذ بداية الأزمة، يقول لي: إن الشعب القطري كان منجرفا لوجهة نظر الحكومة في البداية، ثم تبين التخبط، وتحديدا بعدما تمت الاستعانة بالجنود الإيرانيين والأتراك، القرار الذي يشهد رفضا واسعا في المجتمع القطري، ولكنه رفض كامن، لا حيلة له ولا قوة، هكذا كان يقول سابقا. قبل أيام، عاد ليخبرني عن الانزعاج الشعبي تجاه ما فعلته حكومته في ملف الحج، وأن الصمت قد لا يصمد طويلا.
لم يعد لدى الدوحة ما تخسره أكثر، بعد حفلة التعري الكبيرة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأخيرا المقامرة بعبادات شعبها. صار المأزق الكبير الذي تعيشه واضحا، وهذا النوع من التخبط -بحسب التاريخ- لا ينتهي غالبا إلا بالتدخلات العسكرية، أو الانقلابات الداخلية، وربما الأخيرة مرشحة أكثر، وفقا لتاريخ قطر المعروف.
يسألونني دائما: كيف ستنتهي الأزمة القطرية؟ فأجيب: سيتم إعادة كل شيء لوضعه الطبيعي.. وحجمه الذي يجب.. والسلام.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة