"هذا جناه أبي عليّ". ذلكم لسان حال تميم بن حمد- وإن جحد وكابر- وهو يواجه أزمة صنعها أبوه بإصرار على مدى سنوات.
"هذا جناه أبي عليّ". ذلكم لسان حال تميم بن حمد- وإن جحد وكابر- وهو يواجه أزمة صنعها أبوه بإصرار على مدى سنوات، وأورثه إياها مع كرسي الحكم الذي يهتز الآن من تحت تميم.
كان وصول تميم إلى الحكم في حقيقته عملية هروب كبيرة من جانب حمد بن خليفة، غسلاً لسمعة قطر التي تلوثت بعد أن تفاقمت سقطات حمد وتوالت خطاياه إلى الحد الذي دفع الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، وهو المعروف بحلمه، إلى نعته بـ"الكاذب"، وعلى مرأى ومسمع من قادة دول مجلس التعاون. ولم يملك حمد بن خليفة الذي حاصرته الأدلة الدامغة على جرائمه، إلا أن يطأطئ رأسه منكسراً ويبتلع ما سمعه، طاوياً الصدر على الغلّ، فحمد بن خليفة ليس من ذلك الصنف من الناس الذي يمتلك شجاعة المواجهة كما فعل الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بل كان ينتظر على الدوام فرصة ليطعن من الخلف، ويحيك المؤامرات ضد أشقائه، ليُفرغ حقداً لازمه منذ انقلب على أبيه قبل عقدين.
صمت حمد بن خليفة ليس صمت ترفع أو حكمة، فلم يكن من أهلهما يوماً، بل هو صمتٌ يشبه صمته يوم انكمش متصاغراً حين زجره الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز.. صمت المرتجف المحاصر بقائمة طويلة من الجرائم، وهو يشعر باقتراب لحظة دفع الثمن.
حمد بن خليفة لم يحرٍّك ساكناً منذ وصلت الأمور في بداية يونيو 2017 إلى نهاياتها الحتمية، ووجدت قطر نفسها في موقف لا تُحسد عليه. وعلى الرغم من أن حمد بن خليفة هو من ظل يتحكم في القرار في قطر من وراء ستار حتى بعد تنصيب تميم حاكماً، فإنه اختفى اختفاءً مريباً حين وجدت قطر نفسها منبوذة تواجه المقاطعة الحازمة من جانب الدول العربية الرافضة للإرهاب والمؤامرات التي أصبحت الدوحة مركزاً لها.
حين بدأ نظام قطر يتكبد الخسائر السياسية والاقتصادية، ويظهر وجهه القبيح للعالم بعد أن يئس أشقاؤه الكبار من إصلاحه، كان واجباً على حمد بن خليفة أن يتقدم بشجاعة ليتحمل مسؤولية ما اقترفت يداه، لكنه فضل اللجوء إلى قبو أو جُحر مجهول، ولم تحركه حتى غريزة الأبوة لمساندة ابنه الذي أسقط في يده. وعلى الرغم من أن شريكه في جرائمه حمد بن جاسم قد انتهز الفرصة للعودة إلى الأضواء التي غادرته، فإن حمد بن خليفة بقي متوارياً معتصماً بالظلمة التي يعشقها المتآمرون، تاركاً ابنه لمصيره.
صمت حمد بن خليفة ليس صمت ترفع أو حكمة، فلم يكن من أهلهما يوماً، بل هو صمتٌ يشبه صمته يوم انكمش متصاغراً حين زجره الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز.. صمت المرتجف المحاصر بقائمة طويلة من الجرائم، وهو يشعر باقتراب لحظة دفع الثمن.
حمد بن خليفة لم يتورع عن التآمر على السعودية، على الرغم من أن الرياض كانت تعرف ذلك دائماً، ومكالماته مع معمر القذافي التي أصبحت متاحة للجميع (يُرجح أنها عام 2003) تكشف عن كمٍّ هائل من الحقد الذي يضمره للمملكة. وقد تحولت رغبته المرضية في زوال المملكة إلى هوس يسيطر على تفكيره، تطور إلى هلاوس يكشف عنها قوله للقذافي في مكالمته إن السعودية كانت ستسقط لولا ارتفاع أسعار النفط، وإن العائلة السعودية الحاكمة ستنتهي دون أدنى شك. وتكتمل الصورة إذا علمنا أن حمد لم يتورع بعد ذلك عن التورط في قتل معمر القذافي، شريكه في المؤامرة، وهي جريمة بشعة أياً كان رأينا في القذافي. وهذه هي نوعية العلاقات السائدة بين أنظمة التآمر، والتاريخ سيكشف الكثير مما يحاول حمد بن خليفة إخفاءه، فلا شيء يبقى سراً.
قائمة الجرائم تمتد إلى مصر التي تواجه إرهاباً تموله قطر بإصرار منذ عهد حمد بن خليفة، والعلاقات بين الدوحة والجماعات الإرهابية في سيناء والصحراء الغربية المصرية المرتبطة بـ"القاعدة" و"داعش" و"الإخوان المسلمين" ليست سراً، وعلاقة ما يجري في غرب مصر بأصابع قطر وعصاباتها ومليشياتها في ليبيا ليست سراً. وهذه جريمة لن تسقط بالتقادم، وحمد بن خليفة يعلم قبل غيره أن الآليات القانونية الدولية يمكن أن تطاله قريباً، وأنه يمكن أن يُحاكَم على علاقته بالجماعات الإرهابية وتمويلها وتسليحها وتدريبها، كما حوكم سلوبودان ميلوسيفيتش وغيره من مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
حمد بن خليفة في جحره يفكر في جرائمه التي ارتكبها ضد مملكة البحرين وضد دول الخليج، فهو يعلم أن شركاءه في التآمر سيبيعونه وسيفضحونه على الأغلب، وستظهر وثائق وتسجيلات هاتفية ورسائل ولقاءات مصوَّرة تفضح ما كان يظنه مخفياً. والقائمة تضم مؤامرات في سوريا التي ارتكب جرائم بحق شعبها بعد أن ارتبط بالنظام السوري زمناً، ورشاوى وأساليب ملتوية للحصول على حق تنظيم "كأس العالم" لن يطول الوقت حتى تُعلن، وربما تُقصى قطر من تنظيم البطولة إقصاءً مهيناً. كما تضم القائمة كذلك علاقات وصفقات كانت إسرائيل هي الطرف الثاني فيها، وهذه بدورها ستُكشف في وقت ليس ببعيد، والأمر ذاته ينطبق على العلاقات مع "حزب الله" الإرهابي، ومع جماعات أخرى كان حمد يستغلها في مؤامراته العبثية.
ملف قناة الجزيرة، وهي مؤسسة كاملة للإرهاب وليست مجرد محطة تلفزيونية للفتنة، سوف يُفتح. واللافت للنظر أن عمر قناة الجزيرة من عمر حكم حمد بن خليفة، وأنها أكثر من يعبر عن أهدافه. ولقد كانت القناة في جانبها الإعلامي منصة لعنوانين رئيسيين: الإرهاب، والفوضى؛ إذ كانت الناطق باسم أسامة بن لادن وأشباهه، والوسيط الذي ينقل رسائله وتصريحاته ويتولى خلق نجوميته عالمياً، وكثير من مراسلي القناة وموظفيها كانوا أعضاء ناشطين في مؤامرات إرهابية، وقد حوكم بعضهم وأدين بارتباطه بجماعات الإرهاب. أما الفوضى فقد كانت القناة أداتها الأولى، إذ حاولت إشاعة مناخ من عدم الثقة والكراهية والشقاق داخل كل بلد، وبين البلدان العربية، ولعبت دوراً تحريضياً خلال ما عُرف بـ"الربيع العربي". وقد انفضح دور "الجزيرة" الآن، بعد أن نجحت في خداع المشاهدين العرب عن أهدافها الحقيقية زمنا طويلاً.
تأمُّل مسيرة حمد بن خليفة يشير إلى أن هدفه كان إشعال النار في المنطقة، تلبية لرغبات داخلية تنتمي إلى الاضطراب النفسي أكثر من انتمائها إلى مقتضيات السياسة أو تحالفاتها التي تحكمها قواعد المصلحة وتحقيق الأهداف الوطنية. وحمد من المنظور التاريخي أقرب ما يكون إلى نيرون الذي وجد لذته في إحراق روما ومشاهدة النيران وهي تأتي عليها. وإذا كان حمد يشبه نيرون في هوسه واضطرابه النفسي فإنه لا يشبه نيرون في شجاعته، ففي لحظات المواجهة اختفى حمد بن خليفة اختفاءً مريباً، وترك ابنه في وجه العاصفة.
تُرى، هل سيواصل حمد بن خليفة ملازمة جحره الذي ارتضاه منذ ستة أشهر، أم أن الأحداث القادمة، وهي أكبر وأسرع مما يخطر بباله، سوف تُجبره على الخروج إلى النور الذي لا يحبه، ولا يُتقن العمل فيه؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة