حماس وإيران.. علاقة على جسر "حزب الله"
وضعت عملية شنتها حركة حماس قبل أسبوع في إسرائيل وخلفت أكثر من 1300 قتيل المنظمة الفلسطينية وعلاقتها بإيران تحت المجهر.
وجاءت العملية كزلزال في تل أبيب، وحركت على أثرها الولايات المتحدة حاملة طائرات إلى شرق المتوسط وسط تساؤلات بشأن الأسباب التي تقف خلف قدرة حماس على تنفيذ عمل معقد ومخطط على هذا النحو.
وسريعا ما دارت الشكوك حول دور إيراني محتمل، على الرغم من تصريحات مسؤولين غربيين وإسرائيليين حول عدم وجود مؤشرات لدور مباشر لطهران، والتي أكدت بدورها عدم تورطها في هجوم 7 أكتوبر /تشرين الأول.
لكن بعيدا عن الصلات المباشرة ثمة علاقة نسجتها إيران مع حماس من أمد بعيد.
ويعد لبنان الممر الرئيسي الذي جمع حركة "حماس" بإيران عبر "حزب الله"، الذي يفاخر في السنوات الأخيرة بهذه العلاقة.
واليوم الجمعة قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن "فكرة هجوم حماس على إسرائيل مصدرها إيران".
وتجلت العلاقة في صورتها الأخيرة في شكل "غرفة عمليات مشتركة" على الأراضي اللبنانية برئاسة الحرس الثوري الإيراني، وتضم "حزب الله" وحركة حماس وعددا من الفصائل الفلسطينية واللبنانية.
وكشف رئيس تحرير جريدة "الأخبار" اللبنانية إبراهيم الأمين الموالية لحزب الله عبر قناة "المنار" الناطقة باسم الحزب أنّه خلال معركة "سيف القدس 2021" في غزة، قادت غرفة العمليات المشتركة في بيروت المعركة الدائرة في القطاع.
وأشار الأمين إلى أن "قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآاني زار بيروت حينها مرتين"، موضحاً أن "حزب الله نجح في إخراج قادة ميدانيين من "حماس" من غزة خلال الحرب التي استمرت 11 يوماً، ونقلهم إلى بيروت".
ومن بعدها زادت الزيارات العلنية من قبل حماس وأعضاء الحرس الثوري إلى لبنان، ما يؤكد استمرار هذه الغرفة المشتركة حتى الساعة.
وكان عدد من المسؤولين في حزب الله وحماس قد تحدثوا صراحة عن "غرفة العمليات المشتركة" دون الكشف عن تفاصيل ما دار خلال المواجهات.
وهذا ما كشفه مسؤول في الحزب السوري القومي السوري الاجتماعي لـ"العين الإخبارية"، الذي يملك حزبه مجموعة مقاتلة في الجنوب اللبناني، حيث أكد أن الأوامر تنطلق من غرفة عمليات مشتركة لـ"فصائل المقاومة" وفق توصيفه، ولا يستطيع أي فصيل أن يأخذ قرارا منفردا.
ما قاله الأمين أكده أيضاً قائد حركة حماس في قطاع غزة "يحيى السنوار" الذي أعلن عن تعاون بين "حزب الله" وحماس وفصائل عدة بغرفة مشتركة تتابع التطورات لحظيا، وترصد حركة الجيش الإسرائيلي، وترسل التقديرات وتنصح باعتماد تكتيكات معينة لعملية إطلاق الصواريخ، باتجاه أهداف محددة لها تأثير عسكري واستراتيجي.
علاقة قديمة
والعلاقة بين "حزب الله" وحماس برعاية إيران ليست حديثة العهد، فعقب مقتل القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية في سوريا عام 2008 وخلال شهادات بثها تلفزيون الحزب عن حياته كشف أمين عام حركة الجهاد السابق رمضان شلح عن نقل "حزب الله" عبر مغنية كل تجربة حرب 2006 (بين إسرائيل والحزب التي استمرت 33 يوما) إلى غزة، بكل ما احتوته التجربة من دروس مستفادة، على صعيد الإعداد والتكتيكات، ونقاط القوة التي يجب تعزيزها، كالأنفاق والراجمات الهيدروليكية، وأنظمة الاتصالات الأرضية، والصواريخ وغيرها.
وطالما تحدث الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في إطلالات سابقة، عن دور الحزب في تسليم غزة صواريخ كورنيت عبر صحراء سيناء، والذي تسبب وقتها باعتقال السلطات المصرية اللبناني سامي شهاب.
وفي أبريل/نيسان الماضي أطلقت "حماس" ولأول مرة دفعة من الصواريخ من جنوب لبنان، التي لا يستطيع أحد أن يحرك فيها ساكناً من دون علم "حزب الله" لتدور بعدها في مايو/أيار الماضي اشتباكات في أكبر مخيم فلسطيني في لبنان بين مجموعة من الجماعات الإسلاموية -المدعومة من حماس- وحزب الله من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى، وكان واضحاً أن الهدف منها السيطرة الأمنية على المخيم تحضيراً لقادم الأيام.
وفي هذا الإطار اعتبر رئيس مركز "الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري- إنيجما" رياض قهوجي، أن علاقة "حماس" بإيران علاقة قديمة وأن "حماس" تمثل الفصيل الرافض للاتفاقيات الدولية بعقلية الحرس الثوري الإيراني خصوصا على مستوى العمل المسلح".
وقال لـ"العين الإخبارية": "معروف من أيد عملية السلام من أوسلو إلى مدريد ومن رفضها، وإيران في الأصل لم تكن مشاركة بهذه المؤتمرات، واعتبرت نفسها خارج هذه المعادلة وعند ظهور "حماس" رأت فيها فصيلاً مثالياً لدعمه".
ويذّكر قهوجي بعملية الإبعاد التي قامت بها إسرائيل لمسؤولين من "حماس" على حدود لبنان عام 1992 وعندها نشأت علاقة متينة وعضوية ما بين إيران وحماس عبر "حزب الله"، معتبرا أن هذا كان خطأ استراتيجيا قامت به إسرائيل، حيث إنه مع عودتهم إلى غزة لاحقاً "تعزز هذا الارتباط الاستراتيجي بين حماس وإيران، والذي ترجم لاحقاً بالتسليح ونقل التكنولوجيا العسكرية الحديثة".
وأبعدت إسرائيل 415 قياديا من حماس من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان في 17 ديسمبر/كانون الأول من عام 1992.
وأضاف قهوجي أنه في وقت لاحق "جاء الربيع العربي، فاستغل الفريقان التراخي على الحدود بين مصر وغزة، وحفرت الأنفاق، ودخل السلاح الإيراني بشكل كبير جداً، بالإضافة إلى تكنولوجيا تصنيع الصواريخ".
وأوضح أن "العلاقة الاستراتيجية بين حماس وإيران لم تعد سرا بل هي معروفة على المستويات كافة، خاصة على مستوى التمويل والتسليح".
وعن التدريبات العسكرية يقول قهوجي: "عناصر حماس التي تستطيع الخروج والدخول من وإلى غزة كانت تخضع لتدريبات في معسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني عبر "حزب الله"، مشيرا إلى أن "الحزب هو الجهة المشرفة على تدريبات التنظيمات التي تعمل في ظل الحرس الثوري الإيراني".
واختتم حديثه قائلا إن "إيران تساعد بشكل واضح في مد حماس بأسلحة مثل صواريخ كورنيت وصواريخ مضادة للطائرات ونقل تكنولوجيا تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة التي يتم تصنيعها وتجميعها محليا مستخدمين قطعا إيرانية تهرب من الخارج".
بدوره، رأى الباحث السياسي والأستاذ الجامعي مكرم رباح، أنه "على الرغم من نفي إيران بأنها المسؤولة أو هي التي تحرّك حماس، فكل المليشيات ضمن هذا المحور لها علاقة عضوية بها، إنما لـ"حزب الله" علاقة مباشرة بهيكلية الحرس الثوري الإيراني، لكن حماس والحركات الأخرى يعدون من الجسم الأساسي".
وقال لـ"العين الإخبارية": "يصرحون أنهم يتمتعون بنوع من الاستقلالية والخيارات السياسية والعملياتية، ولكن كل شيء يؤكد أنهم يدورون بفلك النظام الإيراني والحرس الثوري، لا سيما هناك مصادر أكدت أن التخطيط الأساسي للعملية الأخيرة كان في بيروت ضمن غرفة عمليات مشتركة مع الحرس الثوري الإيراني".
وأضاف: "إذا أردنا النظر إلى عملية طوفان الأقصى نرى أن لحزب الله دوراً أكيداً في صقل المهارات وتحضير العملية وتنفيذها، لأنه يتصرف وكأنه مستشار استراتيجي للحركات الأصغر، وقد تكون ناشطة في البيئة السنية لكنها تنتمي إلى المشروع الإيراني".
وشدد على أن "موضوع التمويل ليس بالضرورة أن يكون مباشرا من إيران، أعتقد أن جزءا كبيرا من الأموال التي استعملت في المدة الأخيرة مرسلة من "حزب الله"، أما الأسلحة التي تحصل عليها حماس فهي جزء من منظومة التهريب التي يشرف عليها الحزب".