متخذ القرار القطري يصر على إضاعة عشرات الفرص التي تمنح له من دول جواره الخليجي
هل يمكن أن يستقبل نظام سياسي ما قوات أجنبية من دولة يديرها رئيس لديه طموحات شخصية إقليمية في المنطقة، دون أن تستبيح تلك القوات سيادة بلاده وتشوه استقلال قراراته الخارجية على الأقل، وهل يعقل أن يتصرف نظام سياسي - يفترض أنه عقلاني- في قرارته السيادية لمجرد أنه يريد أن يزيد من توتير العلاقات مع جواره الجغرافي أو يغيظها، ثم لماذا كل هذا العناد والمكابرة الذي يؤدي بنظام سياسي إلى الاستعانة بدولة يمكن وصفها بالعدو والارتماء في حضنها السياسي ورئيسها يتعامل مع أميرها بغطرسة وفوقية؟
طبيعي أن تسمع مثل هذه الأسئلة يطرحها العديد من المراقبين والمثقفين حول ما يفعله "نظام الحمدين" في قطر، ولا تستغرب إن أبدا أحد استغرابه ودهشته من الإدارة الغريبة للخلاف السياسي مع الدول المقاطعة لها؛ لأن المزعج في الأمر أن "الحمدين" يقومون ببناء قاعد عسكرية تركية جديدة في الدوحة قوامها 3000 جندي، وهم يعلمون جيداً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخص له أهدافه السياسية في المنطقة وأحلام العثمانية وهو يبحث عن موطئ قدم، وأن تواجده في قطر بالنسبة له فرصة لا يمكن أن تتكرر إن لم يستغلها الآن ويبرز نفسه باعتباره الحامي للحمدين.
إذا كان متخذ القرار القطري يصر على إضاعة عشرات الفرص التي تمنح له من دول جواره الخليجي ومواجهة حقيقة تجاوزاته في تخريب الاستقرار والأمن العربي، فيجب عليه أن يدرك واقع المخاوف وحجم الرعب الاستراتيجي الذي يمكن أن يخلفه تسليم قرارات سيادية لنظام يتم اتخاذ القرار فيه بشكل أوحد أو مركزي
مسلك "الحمدين" وموقفهم فيه من الضعف والهوان السياسي الكثير، لأن المخاطر والتحديات التي يمكن أن تخلفها هذه القاعدة، لن تقتصر على تحقيق رغبتها الكامنة في زيادة توتير العلاقات مع السعودية والإمارات فقط، ولكن يثبت على نفسه أنه بات يتخبط استراتيجياً بطريقة يهدد استقرارها على المدى البعيد قد يتعدى فترة رئاسة أردوغان لتركيا، فقد يعتقد "الحمدين" أن هذا الإجراء أسهل طريقة لتهدئة قلقها من جوارها الجغرافي ولكن ليس الحل العملي والحقيقي والمنطقي.
ما يحدث حقيقة هو ترسيخ للوجود التركي في المنطقة والعمل على تثبيت موقعها الاستراتيجي لأن الدفعة الجديدة من القوات التركية تمتاز عن القوات السابقة التي جاءت في عام 2014 أنها بمواصفات أكبر من حيث النوع والمعدات عسكرية؛ وبالتالي يكون الأخطر والأصعب على الدولة القطرية هو: تفكير قياداتها في الاستغناء عن الحماية التركية والرغبة في إخراجها من بلادها أو ما يعرف سياسياً، الاستقلال منها خاصة أن تعامل أردوغان مع أمير قطر الحالي (كما تظهره الصور) أن فيها من الاستعلاء والكبرياء الكثير ما يوضح عدم اقتناعه بمسألة أن دولته حليف لقطر، فهو في كل لقاءاته مع أمير دولة قطر تجده يمشي بعيداً عنه ومختالاً عليه.
غالباً ما تعطينا لقاءات الرئيسين التركي والقطري انطباعاً بأن أردوغان هو صاحب القرار النهائي في كل شيء وهو ما يشير إلى صعوبة التفاهم معه بقدر ما أنه يملي قراراته سواء من منطلق أنه الحليف الأكبر للتيار السياسي الإخواني الذي يحصل على الدعم منهما، أو لأن السبب يرجع إلى الذهنية التركية الفوقية التاريخية باعتبارها إمبراطورية حكمت في السابق وهي العقلية التي لا تختلف عن العقلية الفارسية التي يعاني العالم منها فالمسألة ليس فيها تكافؤ سياسي بين الحلفاء بقدر ما هي ممارسة قوة إقليمية على دولة صغيرة ولن يتحقق الخلاص منها إلا بأثمان باهظة.
المسألة لا تخرج عن أن أردوغان ذا الطموحات السياسية في الإقليم يتفنن في استغلال حالة الرعب والقلق الذي يعيشه "نظام الحمدين" من دول المقاطعة له من إمكانية اتخاذ عمل عسكري الذي حقيقة لا وجود له إلا في خيالهم- الحمدين- وتفكيرهم اللاوعي، وبالتالي فهو يوهمهم بأنه هو الذي يمكن أن يحميهم ويقدم خدمات له في الحفاظ على نظامهم واستمراريته.
إذا كان متخذ القرار القطري يصر على إضاعة عشرات الفرص التي تمنح له من دول جواره الخليجي ومواجهة حقيقة تجاوزاته في تخريب الاستقرار والأمن العربي، فيجب عليه أن يدرك واقع المخاوف وحجم الرعب الاستراتيجي الذي يمكن أن يخلفه تسليم قرارات سيادية لنظام يتم اتخاذ القرار فيه بشكل أوحد أو مركزي.
بعض القرارات التي يتخذها "الحمدين" لا يمكن لها أن تستقيم إلا بوضعها في إطار عقلاني كي يطابق المنطق وإلا فإنها تعني أنها عشوائية وتحتاج إلى المراجعة وإلا سوف تؤدي إلى نتائج خاطئة، فدعم تنظيمات إرهابية ومتطرفة هو قرار خاطئ والاستعانة بقوات لقياداتها طموحات سياسية في المنطقة جريمة لأنه يهدد استقرار الدولة. والمكابرة مع الأشقاء من أجل التعاون معهم في وضع حد لأهداف أثبتت ضررها على الإقليم العربي حتى على الدولة القطرية نفسها وهو ما دفعها في نهاية المطاف نحو التهرب من مواجهة الحقيقة ومعالجتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة