هذا العصر نحن أحوج ما نكون لترسيخ التسامح؛ لأنه في مصلحتنا وفي مصلحة ديننا.
قد أختلف معك ومع قناعاتك، وأراك على خطأ مطلق، وفي المقابل لك الحق كل الحق أن تكرهني وتبغضني إذا اختلفت مع رؤاك وأفكارك، وترى أنني على خطأ مطلق، لكن شريطة أن تبقى هذه الكراهية والبغضاء لا تضرني ولا تؤذيني ولا تصادر أفكاري، ولا تمس حقوقي كإنسان؛ فالمشاعر سواء كانت سلبية كالكراهية والبغضاء، أو إيجابية كالحب والولاء، قضية محض قلبية، وربما لا يستطيع الكثيرون التحكم فيها، لكن متى ما تحولت هذه المشاعر السلبية من القلوب إلى الواقع، وتمخض عنها ضرر وإيذاء أيا كان نوعه، فإن ذلك يعني بالضرورة الإرهاب.
ونحن نمر بفترة زمنية استغلها أصحاب غايات وأهداف قميئة، استغلوا عواطف الناس الدينية، واكتشفوا أنهم من خلال الإسلام وتراثه يستطيعون أن يحققوا أهدافهم، ويستقطبوا من الأتباع الأعداد الغفيرة، لا سيما أنهم بدأوا في فترات كنا عنهم وعن مؤامراتهم لاهين، فعاثوا في بلاد الإسلام فسادا وتخريبا، وأعطوا غير المسلمين انطباعا سيئا عن الإسلام والمسلمين.
إننا في هذا العصر أحوج ما نكون لترسيخ التسامح؛ لأنه في مصلحتنا وفي مصلحة ديننا. وثقافة التسامح أول من يجب أن يمارسها المدرسون في مدارسهم، والخطباء على منابر الجُمع، فنحن في أمسّ الحاجة لها
وأصبح المسلم الحق السوي والصادق محل شك وريبة أينما حل وارتحل. صحيح أن هذه الحركات المتأسلمة قد انكشفت، وتنبه كثير من المسلمين لحيلها، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، إلا أننا يجب أن نعمل بجد لا يعرف التهاون، ودأب لا يكتنفه التخاذل، على تلمس حججهم، والتمحيص عن خططهم، وحصار من يدعمهم، حتى نضمن أنهم لن يعودوا مرة أخرى. وأهم الوسائل التي سلكتها هذه الحركات منذ بدايتها (تكريس) ثقافة الكراهية، والبعد كل البعد عن التسامح، والإصرار على أن التعايش بين سكان العالم وإن اختلفت مللهم أو مذاهبهم أصبح ضرورة تمليها علينا مصالحنا، فالمسلمون اليوم أغلبهم أمم متخلفة حضاريا، نأكل مما لا نزرع، ونلبس مما لا ننتج، ونركب مما لا نصنع، ونعالج أمراضنا من أدوية وأجهزة لا نصنعها، فكيف والمسلمون في قاع العالم الحضاري نستطيع أن نعيش.
نحن الآن من حيث القوة والنفوذ والقدرة تماما كما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة قبل الهجرة، والسؤال الذي يطرحه السياق هنا: هل كان أسلوب الرسول في مكة مثلما كان في المدينة؟ طبعًا لا، فقد كان يدعوهم بالحسنى والموعظة الحسنة، ولم يشهر في وجوه كفار قريش سلاحا، ولم يلجأ لا هو ولا أصحابه إلى العنف؛ لأنه كان يعلم يقينا أن العنف ستكون ردود فعله على الإسلام كارثية.
لذلك كله فإننا في هذا العصر أحوج ما نكون لترسيخ التسامح؛ لأنه في مصلحتنا وفي مصلحة ديننا. وثقافة التسامح أول من يجب أن يمارسها المدرسون في مدارسهم، والخطباء على منابر الجُمع، فنحن في أمسّ الحاجة لها، فمن الغباء والحماقة أن (نستورد) ثقافة عنيفة من الماضي بعد أن اتضح لدينا من خلال التجارب ما جر إلينا وإلى شعوبنا العنف والتعالي على ثقافات البشر.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة