فالأمر ليس طموحا قطريا سياسيا، كما تفعل باقي الدول في العالم، ولكنه "عقيدة" إخوانية ترى في الدول العربية أنها شريرة.
زفَّت إلينا، قبل أيام، بعض التقارير الإعلامية، خبر محاولة نظام الحمدين في دولة قطر إقناع كل من إيران وتركيا، والعراق الذي رفض الدخول في هذا التحالف لأنه يريد أن تبقى علاقاته متوازنة مع الجميع، ونظام بشار الأسد، من أجل تشكيل "حلف سياسي خماسي" مشترك بينهم، الأمر الذي يبدي أن المنطقة أمام حلقة جديدة من سلسلة "مؤامرات" نظام الحمدين التي ليس لها نهاية، لمحاولاتها في إحداث تغييرات جيوسياسية.
الخصومات والاختلافات السياسية بين الدول العربية ليست جديدة، إلا أنها لم تصل في معاندتها وخبثها إلى التعاون مع من يسعون لتدمير النظام العربي، ضمن سياسية التنافس على النفوذ.
الشيء الذي ينبغي أن يدركه الحمدين أن البحث عن المصلحة، ولو سياسية، لا يكون بهذه الطريقة التي يبدو فيها "الجهل السياسي" واضحا، لأن التدمير لن يستثني القطريين، بل قد يكونوا في المقدمة لأنهم وضعوا سيادتهم تحت رحمة دول عانى العرب منها على مر التاريخ.
هناك شواهد وقرائن لمحاولات قطر في إيجاد تحالف مشترك مع تركيا وإيران، الخصمين اللدودين للنظام العربي وللسعودية ومصر تحديدا، خاصة بعد ما أحست بفشل تحالفها "الفكري" مع الإخوان المسلمين، كنتيجة طبيعية لحائط الصد التي لقيته من الشعوب العربية، وهي تسعى إلى هذه التحالفات ليس فقط من أجل استقوائها بهاتين الدولتين على "أشقائها" العرب، ولكن من أجل خلق خصومة بين العرب عموما وكلٍّ من تركيا وإيران، لأن النظام القطري لديه اقتناع كبير بأن تلك الخصومة سوف تحقق لها أهدافها الفوضوية في المنطقة.
فالأمر ليس طموحا قطريا سياسيا، كما تفعل باقي الدول في العالم، ولكنه "عقيدة" إخوانية ترى في الدول العربية أنها شريرة.
وإذا كان العراق رفض الدخول إلى هذا "الحلف الجديد"؛ فإنه من الطبيعي جدا، أو هكذا أعتقد، أن تلقى مثل هذه الدعوة قبولا ولو صامتا من تركيا وإيران، فالدعوة هي بمثابة طوق نجاة لإيران من العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي بدأت -حتى الدول الصغيرة- تنفيذها ضدها، ولأن التحالف تعويض عن الحصار السياسي ضد المليشيات الإيرانية في المنطقة التي بدأت تنهزم، أما بالنسبة لتركيا فهي فرصة سانحة لعودة محاولات توسعة نفوذها في المنطقة العربية الذي فقدته بعد "فساد" نظرية صفر مشاكل، بل إن الأكثر من ذلك أن مسألة تقوية الجانب العربي ينبغي ألا تكون؛ لأنها في النهاية تعني عودة الدور العربي الذي بدأ يستعيد عافيته، من خلال إعادة تأهيل دولها، خاصة الكبرى مثل العراق وسوريا وهذا ليس في صالح إيران وتركيا.
لنظام قطر هدف كبير يتمثل في تقويض الحضور السياسي السعودي-الإماراتي، في مواجهة استهداف المنطقة العربية وانشغالها بتحقيق الاستقرار الأمني والمجتمعي العربي، والذي بالتأكيد يمثل إحدى ساحات الفشل القطري في المنطقة، حيث يتضح أن الساحات التي يتحرك فيها النظام القطري إقليميا تُغلَّق، فحليفتاها إيران وتركيا لم تعودا بذلك النشاط السياسي مع بداية المقاطعة العربية.
نحتاج أحيانا كشعوب عربية إلى أن نفصل عقولنا عن التفكير في بعض تصرفات "نظام الحمدين"، وإلى إلغاء التفكير بلغة المنطق والعقلانية؛ لكي نستوعب الأفعال التي يقوم بها ضد النظام عربيا، وضد الشعب القطري.
للأسف أن نظام الحمدين، حاليا، بدأ يصنف في عدائه للدول العربية بالعداء الإيراني والتركي، لأن كل سياساته لا تخدم الأمن القومي العربي، فالجوار الجغرافي لـ"عرب المشرق" -إيران وتركيا- متفق ضد العرب، لأن مصلحتهم عدم بروز الدور السعودي والمصري والعراقي؛ وبالتالي فإن التفسير الوحيد للدور القطري هو زيادة معاناة النظام الإقليمي العربي من خلال الضغط السياسي على الدول العربية الفاعلة والكبرى، مثل: السعودية ومصر، من خلال مساعٍ لخلق تحالفات مع أعداء العرب.
إذا كان لنا ألا نستغرب من تصرف النظام القطري المدهش سياسيا، فإن الشيء الذي ينبغي أن يدركه الحمدين أن البحث عن المصلحة، ولو سياسية، لا يكون بهذه الطريقة التي يبدو فيها "الجهل السياسي" واضحا، لأن التدمير لن يستثني القطريين بل قد يكونوا في المقدمة، لأنهم وضعوا سيادتهم تحت رحمة دول عانى العرب منها على مر التاريخ.
مع أن كل القصص السياسية لانهيارات الدولة العربية تحكي بأنها ناتجة من استقواء بعض العرب بأعدائهم، وهذا نتيجة لعدم إدراكهم بما يكنه المتربصون بالعرب، إلا أن المحاولة القطرية الجديدة في تشكيل حلف سياسي خماسي مكون من أكبر دولتين تتربصان بالعرب هو: إما غباء بالتاريخ، أو أن النظام القطري يعاني فعلا من انحراف البوصلة السياسية!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة