معركة الرصاصة الواحدة.. التحدي الأكبر في تدريب الأوكرانيين
في بساتين الطين والبرد التي تتحول فيها أوكرانيا إلى مختبرٍ للحروب الحديثة، يكتشف المدربون الغربيون أن مهمتهم ليست فقط نقل خبراتهم للجنود الأوكرانيين، بل إعادة تشكيل فلسفة كاملة في استخدام النار.
هناك، حيث يُقاس البقاء بعدد الطلقات المتبقية لا بعدد الأهداف المصابة، وجد ضابط بريطاني سابق أن أصعب دروس الحرب ليس التخفي ولا الحركة ولا نصب الكمائن، بل تعليم مقاتلين اعتادوا على الهجوم الغريزي أن يحوّلوا الرصاصة من فعل غضب إلى أداة محسوبة في معركة طويلة الأمد ضد جيشٍ يملك مخازن لا تنفد.
فهل كانت التدريبات مُجدية؟
في مقابلة مع موقع بيزنس إنسايدر، أوضح المقدم ماكواير، اشترط ذكر رتبته واسم عائلته فقط، أن المتدربين الأوكرانيين كانوا يميلون خلال تدريباتهم إلى إطلاق النار بلا توقف، قائلا: «كانت العقلية السائدة لديهم هي: إذا رأيت جنديًا روسيًا فأطلق النار فورًا، ولا تتوقف حتى يُقتل أو يستسلم». ولم يصدر تعليق فوري من وزارة الدفاع الأوكرانية بشأن ذلك.
وأشار ماكواير إلى أنه في غضون دقائق معدودة يمكن لجندي واحد أن يُطلق آلاف الطلقات الخفيفة، وهو ما وصفه بأنه "إسراف بشع"، في ظل النقص المزمن في الذخيرة الذي تعاني منه أوكرانيا.
وأوضح أن التدريب ركز على تعليم الجنود كيفية تحديد الأهداف بوضوح، وتنسيق المعلومات حولها، ثم اختيار حجم الرد الناري المناسب.
وأشار إلى أن السيطرة على نيران القوات وتنسيقها "كان أصعب درس حاولنا تعليمهم إياه"، مؤكدًا أن التدريب لم يُلغِ النزعة الهجومية لدى الأوكرانيين، لكنه أعاد توجيهها. وأضاف: "عندما يحتاجون إلى إطلاق النار، فهم أكثر ميلا للهجوم من أي جيش غربي."
أزمة ذخيرة وسلاح
من جانبه، أكد العقيد بوردمن، قائد برنامج التدريب البريطاني "أوبريشن إنترفليكس"، أن الهدف الأساسي للتدريب هو ضمان أن "كل طلقة يطلقها الجندي الأوكراني لها قيمتها"، وأضاف: "الأوكرانيون لا يملكون ترف الذخيرة الوفيرة كما لدى الروس، ولذلك عليهم استخدام ما لديهم بأقصى كفاءة."
وتعاني أوكرانيا منذ بداية الحرب من أزمة ذخيرة وسلاح، فيما تتأخر المساعدات الغربية أو تتعثر بسبب خلافات سياسية داخل الولايات المتحدة ودول أخرى. ورغم توسع الصناعة الدفاعية الأوكرانية، فإنها لا تزال بعيدة عن تلبية الطلبات العسكرية الهائلة.
ويمثل ذلك، بحسب المدربين، تناقضًا كبيرًا مع الحروب التي خاضتها الجيوش الغربية في العقود الأخيرة، حيث تمتعت تلك الجيوش بتفوّق ناري ولوجستي واسع ضمن عمليات مكافحة الإرهاب والتمرد.
نزعة هجومية أكبر
ماكواير أشار إلى أن القوات الأوكرانية تُظهر نزعة هجومية أكبر بكثير من نظيراتها الغربية، التي لم تخض حروبًا واسعة النطاق منذ سنوات طويلة. كما تقاتل أوكرانيا من دون العديد من المزايا التي تعتمد عليها الجيوش الغربية عادة، مثل الإخلاء الطبي السريع.
ويرى المدربون أن تلك الظروف قد تنعكس مستقبلاً على جيوش الغرب إذا وجدت نفسها في صراعات مشابهة، وهو ما يجعل التجربة الأوكرانية ذات قيمة كبيرة، ليس فقط لأغراض التدريب، بل أيضًا لاستخلاص الدروس.
دروس مستفادة
وأشار ماكواير إلى أن الجيش البريطاني استخلص بالفعل مجموعة واسعة من الدروس من الحرب الأوكرانية، سواء عبر مراقبة ساحة القتال أو من خلال التواصل المباشر مع الجنود خلال التدريب. وتشمل هذه الدروس استخدام الطائرات المسيّرة، وأساليب القتال في الخنادق، وآليات تقدّم القوات على الأرض.
وأضاف أن الجنود الأوكرانيين أكثر استعدادًا لتحمّل المخاطرة وابتكار حلول غير تقليدية. ووصف بعض الضباط الأوكرانيين بأنهم: "أقل خضوعًا للعقيدة العسكرية الجامدة، وأكثر قدرة على الإبداع".
وأشار إلى أن خططهم الميدانية فاجأت المدربين أحيانًا، موضحًا أنه شاهد خلال تدريبات إحدى الكمائن خطة وصفها بأنها "أذكى تكتيكيًا مما يمكن أن أفكر فيه".
الخبرة القتالية
وأقرّ مسؤولو "أوبريشن إنترفليكس" بأن الكثير من المتدربين الأوكرانيين لديهم خبرة قتالية تفوق تلك الموجودة لدى المدربين الغربيين أنفسهم. وقال بوردمن إن البرنامج يستفيد من هذه الخبرة، إذ يدمج الأساليب التي اختبرها الأوكرانيون في القتال مع العقيدة العسكرية للناتو لإنتاج تكتيكات أكثر تطورًا.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTYg
جزيرة ام اند امز