17 عاما على "اغتيال الحريري".. لبنان على حافة الهاوية
رغم مرور 17 عاماً على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لا يزال اللبنانيون يتذكرون تفاصيل اليوم الذي غيّر مسار بلدهم.
حادثة فارقة في التاريخ اللبناني الحديث، فضحت مليشيات حزب الله الإرهابية وأكدت ضلوعها في أزمات البلاد، خصوصا عقب إدانة عضوها من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بـ"المشاركة في تنفيذ القتل المتعمد لرفيق الحريري".
ورغم أن أولويات اللبنانيين تغيرت وباتوا اليوم منشغلين بأوضاعهم الاقتصادية أكثر من أي وقت آخر، إلا أنهم ما زالوا يتذكرون تفاصيل ذلك اليوم الحزين الذي غيّر مسار هذا البلد الصغير إلى بؤرة انقسام حاد.
وعلى مدار 17 عاما، شكّلت الأزمات السمة الأبرز للمشهد اللبناني مع انسداد رسمه حزب الله الضالع في جريمة الاغتيال التي شرّعت الباب أمام مليشيات إيران لتقاسم السلطة وتكريس الانقسام السياسي في البلاد
انقسام دفع "الحريري الابن" لتعليق عمله بالحياة السياسية مرجعا القرار لأسباب عديدة منها النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة.
ويقترب لبنان من الوصول إلى مرحلة الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة، بفعل استمرار أزماته السياسية والاقتصادية، وما يترتب عليها من مخاطر تهدد استقراره وأمنه المجتمعي.
فوضى وذعر
وقع التفجير الذي أودى بحياة رئيس الحكومة الأسبق الذي لم يكن في السلطة في حينه و21 شخصا آخرين، في يوم عيد الحب 14 فبراير/شباط 2005.
كان موكب الحريري عائدا من مقر مجلس النواب في ساحة النجمة في وسط بيروت، عندما دوى انفجار ضخم استهدفه لدى وصوله قبالة فندق سان جورج على الطريق الساحلي.
بعد دقائق، كانت شاشات التلفزيون تنقل مباشرة صور سيارات مشتعلة، بينما تسبّب تطاير الركام في تحطيم زجاج نوافذ في دائرة قطرها نحو نصف كيلومتر.
عمّت الفوضى والذعر لوقت قصير، قبل أن تعلن وسائل الإعلام أن المستهدف هو الحريري.
بحسب المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تولت التحقيق في الجريمة، فجّر انتحاري يقود شاحنة فان بيضاء من طراز ميتسوبيشي ما يعادل طنين من مواد شديدة الانفجار عند الساعة (12:55 ظهراً)، بعد جزء من الثانية من مرور السيارة الثالثة في الموكب وهي من طراز مرسيدس "إس600" كان الحريري يقودها بنفسه.
سمعت بيروت بأكملها أو شعرت بالانفجار الضخم. ظنّ كثيرون أن زلزالاً ضرب المدينة فيما أحدث الانفجار حفرة بعرض 10 أمتار وعمق مترين في المكان الذي أقيم فيه فيما بعد نصبا تذكاريا للحريري.
كانت الصدمة كبيرة، إزاء العملية التي قتلت رفيق الحريري، رجل ارتبط اسمه بشكل وثيق بلبنان وبمرحلة إعادة الإعمار ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990) وبشبكة علاقات دولية نسجها ووظفها لصالح بلده.
كان الانفجار قويا إلى درجة تمّ العثور على إحدى الجثث بعد 17 يوماً نظراً لحجم الدمار الكبير الذي خلفه التفجير متسبباً أيضا بإصابة 226 شخصاً بجروح.
في مطلع شهر فبراير/شباط، تلقى الحريري مناشدة من صديقه الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، بوجوب التزام الحذر، وبعدها بأيام من مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن في الإطار نفسه.
سبق اغتيال الحريري محاولة استهداف صديقه الوزير السابق مروان حمادة في أكتوبر/تشرين الأول 2004، فيما اعتبر رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى فريق الحريري.
وشكّل اغتيال الحريري ضربة كبيرة للبلد الصغير الذي تنخره الانقسامات الطائفية والسياسية، وغالباً ما ترتبط قواه السياسية بدول خارجية.
بعد ساعات على حصول التفجير، تفقد سعد الحريري، نجل رفيق الحريري الذي كان بعيدا في ذلك الوقت عن العمل السياسي، مكان التفجير، وسألته وسيلة إعلام أجنبية إن كان يعرف من يقف وراء اغتيال والده، فأجاب: "الأمر واضح، لا؟". ووجهت أصابع الاتهام، على ألسنة سياسيين وأحزاب، إلى مليشيات حزب الله.
ونزلت أعداد ضخمة من اللبنانيين إلى الشارع تحتج على الاغتيال، وحصلت نقمة أسقطت على الفور الحكومة القريبة من حزب الله برئاسة عمر كرامي.
في 14 مارس/آذار 2005، نزل مئات الآلاف إلى الشارع. كان يوما تاريخيا لعب دورا حاسما في خروج القوات السورية من لبنان في أبريل/نيسان.
لكن في غضون ذلك، كان حزب الله دعا إلى "يوم وفاء" لسوريا في الثامن من مارس/آذار شارك فيها أيضا مئات الآلاف.
انقسام لبنان
وانقسم لبنان بعد ذلك لسنوات طويلة بين "قوى 14 آذار" المناهضة لحزب الله و"قوى 8 آذار" المؤيدة له.
وتمكن حزب الله، القوة الوحيدة التي لا تزال تحتفظ بترسانة سلاح في لبنان إلى جانب القوى الأمنية الشرعية، من ملء الفراغ الذي خلفه غياب دمشق سياسياً وتحوّل رويداً رويدا إلى قوة أساسية تتحكم بمسار الحياة السياسية في البلاد.
واليوم يحتفظ موقع الاغتيال بنصب تذكاري للحريري على شكل شعلة معدنية، بينما لا تزال آثار التفجير تظهر على واجهات بعض الأبنية. على بعد أمتار، يتوسط تمثال لرفيق الحريري ساحة صغيرة تحمل اسمه.
المدرس ثم رجل الأعمال
ولد رفيق الحريري في مدينة صيدا الساحلية، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1944، لعائلةٍ مسلمةٍ سنية، وله شقيقان هما شفيق الحريري وبهية الحريري.
وتلقى رئيس الوزراء الأسبق تعليمه في مدارس مدينة صور، وبعد نيله الشهادة الثانوية، درس إدارة الأعمال في الجامعة العربية في بيروت.
بعد تخرجه في الجامعة، سافر الحريري إلى المملكة العربية السعودية، حيث عمل مدرسا، لكنه بعد سنوات من ذلك، بدأ العمل في مجال الصناعة الإنشائية.
في عام 1969، أسس الحريري شركة مقاولاتٍ فرعية صغيرة، سماها سيكونسكت، لكنه تبين بعد ذلك أن هذه الشركة لم تكن ناجحة، فتعاون مع الشركة الفرنسية أوجيه، وأتم مشروع بناء فندقٍ في المملكة العربية السعودية.
وأصبح هذا المشروع هو حجر الأساس لانطلاق أعماله، وبعده استحوذ على شركة أوجيه، والتي أصبحت بعد ذلك شركة المقاولات الأساسية التي اعتمدت عليها السلطات السعودية في جميع أعمالها.
إنهاء الحرب الأهلية
لعب الحريري نتيجة دبلوماسيته المحنكة دورا في صياغة اتفاق الطائف عام 1990، الذي أنهى 16 عاما من الحرب الأهلية اللبنانية، ليصبح عام 1992 أول رئيس لحكومة لبنانية بعد الحرب.
واستطاع الحريري خلال رئاسة الحكومة الثانية، في عام 2000، حث مجلس الأمن الدولي على إصدار القرار 1559، الذي دعا إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان.
إنجازات اقتصادية
أما على المستوى الاقتصادي فساهمت سياسته في تحقيق انتعاش اقتصادي بإقراره السندات الأوروبية التي حافظت على قيمة العملة اللبنانية، كما مكنته من اقتراض الأموال اللازمة لإعادة الإعمار.
وأسس الحريري مناخا استثماريا جاذبا للاستثمار الأجنبي، فعمل على بناء هيكل ضريبي مبسط، وقدم العديد من الإعفاءات الضريبية، إضافةً إلى القروض منخفضة الفائدة التي كان يقترضها لبنان.
لعل أبرز سياساته الاقتصادية هي Horizon 2000، وهو مشروعٌ تجديديٌ حاول من خلاله تطوير المشهد اللبناني بعد الحرب.
ففي ظل هذه السياسة، أسس وحدة المقاولات سوليدير Solidere والتي امتلكت الحكومة جزءا منها، كما امتلك مستثمرون أجانب وغيرهم أسهما منها، أعادت هذه الوحدة إعمار بيروت وحولتها إلى مدينة كبيرة معاصرة. وقد كان ذلك إنجازا كبيرا لبيروت التي دمرتها الحرب كليا.
خصخص الحريري الصناعة اللبنانية كجزءٍ من سياسته الاقتصادية، وكنتيجةٍ لذلك فاز لبنان بالعديد من العقود لصالح قطاعاتٍ كبيرةٍ كالطاقة والاتصالات والسياحة.
انتهت حكومة الحريري الثانية في 20 أكتوبر/تشرين الأول عام 2004، بعد أن استقال من منصب رئاسة الحكومة، وخلفه الدكتور عمر كرامي.
نال الحريري عددا من الجوائز أبرزها: جائزة المواطن العالمي من الأمم المتحدة، وذلك لمساهماته في العلاقات الدولية.
aXA6IDMuMTM4LjExOC4xOTQg جزيرة ام اند امز