استقالة الحريري جاءت في الوقت الصحيح، فهي ما ستجعل الحكومة اللبنانية في وضع (تصريف الأعمال).
قرار الاستقالة الذي أقدم عليه سعد الحريري كان قراراً صحيحاً، ولا سيما أن الحكومة اللبنانية التي يرأسها يشارك فيها كوادر من (حزب الله)، وهذا الحزب هو أهم ذراع عسكرية للميليشيات الإيرانية، ليس في لبنان فحسب، وإنما في المنطقة العربية، فلا تُقدم إيران على عمل عسكري في البلدان العربية، إلا من خلال هذا الحزب.
الحريري قرأ الوضع الإقليمي قراءة صحيحة فاحصة، وأدرك أن الرئيس الأمريكي ترامب، يُعد العدة بخطى حثيثة لحصار إيران وعقابها اقتصادياً، وتقليم أظافر ميليشياتها المستأجرة في المنطقة.
وفي تقديري أن الرئيس سعد الحريري كان قد أحسن الظن في الجنرال عون، ومرر انتخابه رئيساً للبنان، أملاً أنه إذا تولى مقاليد السلطة، سيلتفت إلى لبنان بكل مكوناته، كأولوية، غير أنه خذله، واستكان لذلك الحزب الذي يعمل بتوجيه من الولي الفقيه في طهران، ودخل معه في مغامرات في سوريا والعراق، كما هو معروف، والكويت عندما موّل ما يُعرف بخلية العبدلي، وكذلك في اليمن، رغم أن سلاحه -كما تقول شعاراته التبريرية التي يرفعها - موجهٌ لمقاومة إسرائيل، إلا أن هذا الحزب الفارسي العميل، آخر ما يفكر فيه ويهمه إسرائيل، بل ومصالح لبنان برمتها.
الحريري - كما يقول مناصروه - خذله ميشيل عون، وجعله يخسر كل رهاناته، وخسر معها - أيضاً - كثيراً من حلفائه في الوسط السني اللبناني، الأمر الذي جعل منتقدوه في الصف السني بعد إعلان الاستقالة، يصطفون وراءه، مُباركين هذه الاستقالة.
وفي رأيي أن الحريري قرأ الوضع الإقليمي قراءة صحيحة فاحصة، وأدرك أن الرئيس الأمريكي ترامب، يُعد العدة بخطى حثيثة لحصار إيران وعقابها اقتصادياً، وتقليم أظافر ميليشاتها المستأجرة في المنطقة؛ وغني عن القول إن ميليشا هذا الحزب هي بمثابة رأس الحربة لكل عمليات إيران التوسعية، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق، أو استقطاب عملاء لإيران من دول الخليج، وتدريبهم وتأهيلهم إرهابيا، وكذلك في اليمن، فقد كانت كل المؤشرات والإرهاصات تؤكد أن بداية مواجهة الغول الإيراني من قبل أمريكا ستكون في لبنان، وتحديداً حزب الله.
لذلك أدرك الحريري أن الاستقالة ستجعل هذا الحزب الذي يوزع الموت والدمار أينما حل وارتحل، ومعه حليفه (الغبي) الرئيس اللبناني الحالي ميشيل عون، في خانة إليك، يواجهون عقوبات مالية قاسية وخانقة وحدهم دونما حكومة فاعلة، فوجد أن مغادرته للبنان أولاً، واستقالته من خارجها ثانياً، ستجعلانه يرد الصاع صاعين ليس لحزب الله العميل الإيراني فحسب، وإنما أيضاً للجنرال عون الذي أمّل فيه، وراهن عليه، وعلى وطنيته، لكنه خيّب آماله، وأعطى هذا الحزب العميل، ومن خلفه الولي الفقيه، كل إخلاصه وولائه، على حساب وطنيته.
من هنا أجد أن الرئيس الحريري اتخذ القرار الصائب في الوقت الصحيح، فالاستقالة هذه ستجعل الحكومة اللبنانية في وضع (تصريف الأعمال)، أي أن كل وزير فيها لا ينفذ إلا الأعمال الملحة الروتينية فقط، ما يجعل الوضع السياسي والاقتصادي في حالة جمود وشلل. ولا أعتقد أن أي رئيس وزراء من سنة لبنان، حتى وإن كان مناوئاً للحريري، سيقبل تشكيل حكومة بديلة، لأن الأنباء المتسربة من البيت الأبيض، تؤكد أن إيران هي اليوم بمثابة العدو الأول لأمريكا بعد سقوط داعش، وبالتالي فإن النظرة نفسها ستشمل قطعاً حزب الله معها، ولا أعتقد أن عاقلاً سيضع نفسه في هذا المأزق.
الرئيس الحريري أخطأ عندما وافق على الجنرال عون كي يكون رئيساً للجمهورية اللبنانية، وهو حليف حميمي لحزب الله، ومن ورائه إيران، لكنه باستقالته الأخيرة رجع عن خطئه، وترك عملاء إيران يواجهون العقوبات الأمريكية المزمع فرضها على حزب الله، بجناحيه العسكري والسياسي، والتي قطعاً لا يستطيع تحملها، ولا سيما أن الخزانة الإيرانية أنهكتها أيما إنهاك الحرب الأهلية السورية.
إلى اللقاء
نقلا عن "الجزيرة" السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة