أكثر من مجرد سكر.. السر العلمي وراء إدمان حلاوة المولد النبوي

مع اقتراب المولد النبوي الشريف، تتصدر حلاوة المولد المشهد في كل الأسواق والشوارع، وتغدو جزءاً من أجواء الاحتفال المنتظرة. ورغم معرفة الكثيرين بأنها مليئة بالسكر والسعرات الحرارية، يجدون أنفسهم غير قادرين على مقاومتها،
يواصل الكثير تناولها بشغف وكأن شيئاً ما يجذبهم إليها بشكل أقوى من مجرد الرغبة في المذاق الحلو. قد يبدو الأمر بسيطاً للوهلة الأولى، مجرد متعة حلوة، لكن التجربة تحمل في طياتها أبعاداً أعمق بكثير. فهناك شعور بالرضا والبهجة يظهر فور تذوق أول قطعة، وحاجة داخلية لإعادة تلك المتعة مراراً وتكراراً، رغم إدراك العقل للمخاطر الصحية المحتملة. الأمر أشبه بدورة لا تنتهي من الرغبة والارتياح المؤقت، ما يجعل من الصعب التوقف عند حد معين، ويقود البعض إلى الإفراط بلا وعي.
ما يجعل الأمر أكثر غموضاً هو شعور لا يفسره العقل وحده، حالة من الانجذاب المتكرر، الإقبال المستمر، وحتى أحياناً شعور قريب من الاعتماد النفسي على هذه الحلوى، رغم أنها مجرد سكر ومكسرات محلاة. هذا السحر الخفي لحلاوة المولد هو ما يثير الفضول والدهشة، ويجعل الكثيرين يتساءلون: لماذا تبدو حلاوة المولد بهذه القوة في حياتنا؟ وما الذي يجعل من الصعب التوقف عن تناولها؟
السكر وإدمان الدماغ
ركزت الدراسات على العلاقة بين إدمان السكر والكحول والمخدرات، مؤكدين أن بعض الأشخاص يعانون هذا النوع من الإدمان في حياتهم، ما يسبب لهم أمراضاً مزمنة وخطيرة. الأبحاث في الغدد الصماء العصبية والسمنة والسكري لدى الأطفال أظهرت وجود ما يُسمّى "إدمان السكر"، الذي يمكن أن يؤثر على الصحة العامة للأفراد، مثلما تؤثر الكحول والمخدرات.
أظهرت أحدث الدراسات أن انتشار إدمان الطعام والسكريات بلغ 14% بين البالغين و12% بين الأطفال، وهو معدل يشابه انتشار إدمان الكحول بين البالغين. الجسم يستقبل السكر والكحول بطريقة مشابهة؛ جزيئات السكر والفركتوز تتفاعل في الميتوكوندريا مثل الإيثانول، مسببة مشاكل صحية مشابهة لإدمان الكحول، مثل السكري من النوع الثاني وأمراض الكبد الدهنية. الأطفال الذين يستهلكون كميات كبيرة من السكر معرضون لتدهور صحة الكبد والبنكرياس، ما يؤدي لتطور الأمراض المزمنة كالسكري وأمراض القلب.
إدمان السكر ليس فكرة وهمية؛ الاستهلاك اليومي للسكر أصبح جزءاً من حياتنا، ويشكل تهديداً كبيراً للصحة إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح، ورغم الوعي بمخاطر الكحول والمخدرات، فإن إدمان السكر لا يحظى بالاهتمام نفسه.
الرابط الاجتماعي.. واللحظات العائلية
تشير الأبحاث النفسية والاجتماعية إلى أن التجارب العائلية والجماعية أثناء المناسبات تشكل ارتباطات قوية بين الشخص والطعام المرتبط بهذه التجارب. حلاوة المولد ليست مجرد حلوى، بل رمز للتجمعات العائلية، الضحكات المشتركة، ولحظات الفرح الجماعي في الأسواق التقليدية. مشاركة الحلوى بين الأطفال والأصدقاء أو تقديمها كهدايا تزيد شعور الانتماء وتخلق رابطة نفسية قوية بين التجربة والمشاعر الإيجابية.
دراسات علم النفس الاجتماعي أظهرت أن مشاركة الطعام في مناسبات جماعية تزيد إفراز هرمون الأوكسيتوسين، المسؤول عن تعزيز الثقة والتواصل الاجتماعي، ما يجعل تجربة تناول حلاوة المولد أكثر متعة وإشباعاً. الأطفال الذين يشاركون في هذه التجارب يكوّنون رابطاً نفسياً طويل الأمد مع الحلوى، يستمر معهم حتى مرحلة البلوغ. هذا العامل النفسي الاجتماعي يوضح أن إدمان حلاوة المولد ليس مجرد مسألة مذاق، بل تجربة كاملة تجمع بين السكر، التواصل الاجتماعي، والفرح الجماعي، مما يزيد من صعوبة مقاومته.
النوستالجيا.. الحنين الفردي وتأثير العاطفة
النوستالجيا تعني الحنين للماضي، وتشكل بعداً نفسياً مختلفاً عن العامل الاجتماعي، إذ ترتبط بالذكريات الفردية من الطفولة، مثل لحظات اللعب، رائحة الحلوى في الأسواق، والأوقات السعيدة مع الأصدقاء. الأطعمة المرتبطة بالذكريات الإيجابية تُحفّز مراكز المكافأة في الدماغ، فتزيد إفراز الدوبامين والسيروتونين، وتمنح شعوراً بالرضا والطمأنينة النفسية، مما يعزز الرغبة في تناولها بشكل متكرر.
عند تناول حلاوة المولد، يعود الدماغ لتلك اللحظات الخاصة، مثل الاستمتاع بالأسواق المزدحمة ومهرجانات المولد، أو تذوق الحلوى لأول مرة. هذه التجربة تعطي الحلوى بعداً عاطفياً إضافياً يجعل تناولها شبه إدماني، ويصعب مقاومة الإفراط فيها، حتى لو كان الشخص واعياً بالمخاطر الصحية للسكر. الدراسات في علم النفس الاستهلاكي أظهرت أن الأطعمة المرتبطة بالنوستالجيا تُنشّط مناطق المكافأة في الدماغ أقوى من الأطعمة العادية، ما يجعل تجربة حلاوة المولد تجربة شاملة للجسم والعقل.
العامل الديني: الطقوس والارتباط الروحي
الطقوس الدينية تضيف بعداً فريداً لتجربة تناول حلاوة المولد، إذ ترتبط بالمولد النبوي الشريف وحب النبي ﷺ، ما يجعلها أكثر من مجرد مذاق. الدراسات في علم النفس الديني وعلم الاجتماع تشير إلى أن الرموز الدينية تعطي الأطعمة معنى عاطفياً وروحياً، فتتحول الحلوى إلى عنصر ذا قيمة رمزية داخل الطقس الاحتفالي.
عند تناول حلاوة المولد، يربط الدماغ المتعة الناتجة عن السكر بالبعد الروحي للاحتفال، ما يعزز الرغبة في التكرار ويجعل الإفراط في تناول الحلوى صعباً. الأبحاث النفسية العصبية أظهرت أن الممارسات الدينية تزيد نشاط مناطق المكافأة والتحفيز في الدماغ، مما يجعل تجربة الحلوى متعة مزدوجة: جسدية وروحية في الوقت نفسه. هذا الدمج بين السكر، العامل النفسي الاجتماعي، النوستالجيا، والبعد الديني يفسر لماذا تصبح حلاوة المولد تجربة شبه إدمانية لكل الأجيال، ويشرح صعوبة السيطرة على الكميات رغم المعرفة بالمخاطر الصحية.
كيف تستمتع بحلاوة المولد دون مخاطر؟
رغم أن حلاوة المولد ترتبط دائمًا بالفرحة والاحتفال، إلا أن الإفراط في تناولها قد يترك وراءه آثارًا صحية لا يستهان بها. فكمية السكر الكبيرة التي تحتويها هذه الحلوى لا تكتفي فقط بإضافة سعرات حرارية عالية، بل قد تمهد الطريق لمشكلات أكثر خطورة مع مرور الوقت. ارتفاع نسبة السكر في الدم بشكل متكرر يمكن أن يرفع احتمالية الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، كما أن الالتهابات التي يسببها السكر الزائد تمتد إلى أعضاء الجسم المختلفة، بما في ذلك شرايين القلب، وهو ما يزيد من خطر الجلطات ويُسرّع من الشيخوخة المبكرة للأعضاء الداخلية.
ويُعتبر "الملبن" بطل القائمة من حيث الخطورة، إذ يحتوي على نسب مرتفعة جدًا من السكريات والسعرات الحرارية قد تصل إلى 1200 سعرة لكل 100 جرام. كذلك الحلويات البيضاء التقليدية مثل السمسمية والفولية والحمصية، التي تبدو بسيطة لكنها تخزن كميات كبيرة من السكر. في المقابل، تظل المكسرات المغلفة بالحلوى أقل ضررًا نسبيًا، نظرًا لما تحمله من فوائد غذائية، لكن هذا لا يعني الإفراط في تناولها أيضًا.
لتقليل الأضرار دون حرمان نفسك من بهجة الموسم، حاول الاكتفاء بكمية صغيرة بعد وجبة أساسية، مع تجنب تناول سكريات أخرى في نفس اليوم. الحركة والرياضة البسيطة تساعد على استهلاك السعرات الزائدة، فيما يسهم شرب الماء ومشروبات طبيعية مثل الليمون، القرفة، أو الزنجبيل في موازنة مستويات السكر. ولمن يبحث عن بدائل، يظل سكر الاستيفيا من أفضل الخيارات الطبيعية الأقل ضررًا.