بصمة بيتكوين الكربونية.. تحييد الانبعاثات يحتاج إلى زراعة مساحة تعادل سويسرا

حظيت العملات المشفرة باهتمام خاص خلال السنوات القليلة الماضية، حتى إنّ بعض الدول قد اعتمدت تداولها، وشاع اللجوء إليها بهدف الحفاظ على قيمة أموالهم في ظل التضخم الاقتصادي العالمي وارتفاع أسعار الفائدة.

وقد أدَّت زيادة الطلب على العملات المشفَّرة إلى ارتفاع قيمة العملة الرئيسية "بيتكوين" إلى أكثر من 104 آلاف دولار في يناير/كانون الثاني 2025.

وصارت العملات المشفرة من أكبر الأصول التي يستثمر فيها كبار المستثمرين ورجال الأعمال حول العالم بمن فيهم رئيس الولايات المتحدة "دونالد ترامب". لكن، اتضح أنّ العملات المشفرة لها تأثيرات ضارة على البيئة والمناخ.

ما هي العملات المشفرة؟

وهي عبارة عن عملات رقمية تستخدم التشفير لضمان الأمان، ما يجعل تزويرها أمرًا صعبًا، وهذه فلسفة التشفير الرقمي المقصود به تحويل النص إلى نص مشفر يصعب فك رموزه، ما يجعل العملات الرقمية أكثر أمانًا.

كما أنها عملات لا مركزية؛ أي لا تخضع لمراكز أو بنوك ولا تحتاج إلى أي وسيط ويمكن إرسالها من شخص إلى آخر مباشرة؛ فهي مبنية على تقنية "البلوك تشين" (Blockchain) أو سلسلة الكتل، والبلوك تشين نظام مشفر يشبه السجل أو الدفتر الإلكتروني من خلاله يتم تسجيل المعاملات المالية عبر شبكة من أجهزة الحاسوب.

بدايتها

يعود مفهوم العملات الرقمية إلى ثمانينيات القرن العشرين، قدمها بعض الرواد مثل عالم الحاسوب وخبير التشفير الأمريكي "ديفيد شوم"، وكانت تتمثل في أنظمة نقدية إلكترونية آمنة. وصولًا إلى عام 2008، نُشرت ورقة بعنوان "بيتكوين: نظام نقدي إلكتروني من نظير إلى نظير" بواسطة شخص مجهول أو ربما مجموعة باسم "ساتوشي ناكاموتو".

تناولت الورقة مفهوم العملة الرقمية التي يمكن إرسالها مباشرة من شخص إلى آخر بدون وسيط مالي.

وجاءت الانطلاقة الفعلية الأولى للعملات المشفرة في يناير/كانون الثاني عام 2009، عندما قام ساتوشي ناكاموتو بتعدين الكتلة الأولى من سلسلة البلوك تشين بيتكوين وانطلقت أول عملة مشفرة وهي الأشهر "البيتكوين" (Bitcoin).

وعملية تعدين العملة المشفرة تعني المصادقة على المعاملة المالية، ويكون ذلك عبر إنشاء كتلة وإرسالها في الشبكة للتأكيد على صحتها وهكذا تتم المعاملة بالعملات المشفرة.

ومع نجاح عملة البيتكوين، ظهرت عملات مشفرة أخرى بديلة، مثل (Altcoins).

الجانب المظلم

وعلى الرغم من أنّ العملات المشفرة حظيت باهتمام واسع عالميًا، ويُنظر إليها في بعض الأحيان على أنه من الممكن تطويرها لتكون صديقة للبيئة وتوفر الأوراق والمعادن المستخدمة في العملات النقدية، فإنّ هناك العديد من الجوانب الخفية لها والتي يراها العلماء ضارة للبيئة؛ خاصة تعدين العملات المشفرة.

وفي هذا الصدد، أجرى علماء الأمم المتحدة دراسة لمعرفة التأثيرات البيئية لعملية تعدين العملات المشفرة خاصة البيتكوين على المناخ والمياه والأرض. وخلال الدراسة، قيّم الباحثون أنشطة 76 دولة في تعدين البيتكوين خلال فترة عامي 2020 و2021.

وجد الباحثون العديد من التأثيرات البيئية السلبية على عدة مستويات لتعدين عملة البيتكوين؛ فقد وجدوا أنه خلال فترة الدراسة استهلكت شبكة تعدين البيتكوين العالمية نحو 173.42 تيراواط ساعة من الكهرباء، والتي تعد مقدارًا كبيرًا من الطاقة، وقدروا أنه إذا كانت البيتكوين عبارة عن دولة؛ فهي تحتل المرتبة 27 عالميًا في استهلاك الطاقة.

ويعتمد تعدين البيتكوين بصورة كبيرة على مصادر الطاقة غير المتجددة؛ إذ يُمثل الفحم نحو 45% من مزيج إمدادات الطاقة المستهلكة لتعدين البيتكوين، يليه الغاز الطبيعي بنسبة 21%.

ولا يتوقف الأمر على استهلاك مصادر الطاقة غير المتجددة؛ إذ تستهلك مصادر الطاقة المتجددة أيضًا مثل الطاقة الكهرومائية بنسبة 16%، والطاقة النووية بنسبة 9%، والطاقة الشمسية بنسبة 2%، وطاقة الرياح بنسبة 5%.

ولتعويض تلك البصمة الكربونية؛ نحتاج إلى زراعة 3.9 مليار شجرة تغطي مساحة تعادل سويسرا أو هولندا أو الدنمارك أو 7% من مساحة غابات الأمازون.

من جانب آخر، لاحظ الباحثون أنّ البيتكوين تستهلك كميات هائلة من المياه، وكانت البصمة المائية لها خلال فترة الدراسة يمكنها تلبية الاحتياجات المائية لأكثر من 300 مليون شخص. إضافة إلى ذلك؛ فقد استهلكت أنشطة تعدين البيتكوين بصمة أرضية تعادل 1.4 ضعف مساحة ولاية لوس أنجلوس.

تنتعش العملات المشفرة يومًا بعد يوم، خاصة خلال هذه الحقبة، حيث يعاني العالم من التضخم الاقتصادي، ويهرب المستثمرون إلى الملاذ الآمن، مثل الذهب والعقارات، وأضيفت إليهما العملات المشفرة التي تحظى باهتمام البلاد الكبرى كالصين والولايات المتحدة، لكن يبدو أنّ الضريبة البيئية كبيرة. لذلك، يرى العلماء أنه من الجيد الاستثمار في جعل العملات المشفرة صديقة للبيئة.