كامالا هاريس.. "تقدمية" هاجمت بايدن وأغضبت الليبراليين
قدمت نفسها على أنها "تقدمية"، وحشرت نفسها في اليسار حين تعلق الأمر بملفات جدلية، لكنها أغضبت الليبراليين برفضها المضي لأبعد من ذلك.
كامالا هاريس (56 عاما)، السيناتورة السمراء عن ولاية كاليفورنيا، والشخصية التي اختارها المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية جو بايدن نائبة له، لتدون بذلك اسمها كأول امرأة سمراء تتولى هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة.
يقول عنها البعض إنها سيدة تتأرجح بين مواقف سياسية متعارضة تجاه القضية ذاتها، فيما يستغرب آخرون اختيارها من قبل بايدن لتكون نائبته، وهي التي هاجمته بشراسة خلال المناظرات الرئاسية الأولى.
تقدمية
خلال فترة عملها مدعية عامة في ولاية كاليفورنيا، قدمت هاريس نفسها على أنها تقدمية، وركزت على قضايا أظهرت ميولها اليسارية، مثل زواج المثليين وعقوبة الإعدام، إضافة إلى مطالبتها بتعليق كاميرات على أجسام بعض الوكلاء الخاصين في وزارة العدل بكاليفورنيا.
تبنت الكثير من التشريعات للتأكيد على حقوق الأطفال وحقوق الشواذ، وبرامج الإصلاح الجنائي، والمطالبة بوقف عقوبة الإعدام، وحماية المستهلكين، والحفاظ على الخصوصية.
لكن، ورغم جهودها، إلا أنها لم تنجح في حصد دعم شعبي، وظلت عبارة "كامالا الشرطية" تترد على مدار الحملة الانتخابية، ما أفسد جميع محاولاتها التي كانت تستهدف ـ من بين أخرى ـ كسب القاعدة الديمقراطية الأكثر ليبرالية خلال الانتخابات التمهيدية.
ورغم الصعوبات التي تفاقمت بوجهها خصوصا مع عودة الجدل العرقي إلى واجهة النقاش بالولايات المتحدة، إلا أن هاريس استنجدت بمهاراتها الخطابية التي تدربت عليها جيدا، بهدف تعزيز رصيدها من الأصوات التقدمية.
حاولت كامالا هاريس خلال حملتها الرئاسية، الحفاظ على اعتدال صعب مع نجوم التيار التقدمي بالحزب الديمقراطي، وانحازت إلى الجانب العملي للأشياء، معتبرة أن التنظير لا يقدم حلولا ملموسة للأمريكيين، لتكون بذلك أحد الشواهد الدقيقة على انتقال الحزب إلى اليسار على نطاق واسع.
حاولت السير على خط تجمع فيه بين الجناحين التقدمي والمعتدل في حزبها، لكن انتهى بها الأمر إلى عدم الحصول على تأييد أي منهما.
تقاطيع هادئة تخفي وراءها شخصية جريئة، مشبعة بخلفية قانونية جعلتها في أعين البعض النقيض الطبيعي للرئيس دونالد ترامب، وسيدة لا تخشى مواجهة المتنمرين أو الحديث في جميع المواضيع استنادا إلى وجهة نظرها.
هاريس وبايدن
أثار اختيارها من قبل بايدن نائبة له العديد من الاستفهامات، وهي التي هاجمته بقوة خلال المناظرات الرئاسية الأولى.
وحين سئلت عن هجومها الشديد على بايدن، ردت بكلمة واحدة قائلة: "لقد كانت مناظرة".
أما الخبراء فأشاروا إلى أن ما يبحث عنه بايدن في نائبه يتجاوز لون البشرة أو الخلفية العرقية، وإنما يريد شخصية سياسية محنكة، قادرة على إقناع الناخبين السود والشباب والنساء بالتصويت للديمقراطيين.
كما يعول بايدن، وفق محللين، على أن هاريس هي أول امرأة سمراء تترشح للمنصب، بعد اثنتين كلتاهما بيضاء، وهما سارة بالين عن الحزب الجمهوري في انتخابات عام 2008، وجيرالدين فيرارو عن الحزب الديمقراطي في 1984، وكلتاهما فشلتا في الوصول إلى البيت الأبيض.
مواقفها
تعتبر كامالا هاريس من أشد الداعمين للاتفاق النووي مع إيران، ومن أكبر الداعمين لإسرائيل ولحل الدولتين.
فحين قرر ترامب، في 2018، الانسحاب من الاتفاق، أصدرت هاريس بيانا حذرت فيه من أن "انتهاك الاتفاق النووي الإيراني يهدد أمننا القومي ويعزلنا عن أقرب حلفائنا".
كما أبدت معارضة علنية لاستخدام أموال وزارة الدفاع الأمريكية لتمويل أي عمل عسكري ضد طهوان، وهو الموقف الذي تجلى بشكل واضح عقب العملية العسكرية التي أسفرت عن مقتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس الإيراني مطلع 2020.
أما فيما يتعلق بإسرائيل، فتعد هاريس مقربة من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، اللوبي الأمريكي الموالي لتل أبيب "أيباك"، ولطالما أكدت ذلك بالقول: "طالما أني عضو بمجلس الشيوخ فسأفعل كل ما في سلطتي لضمان الدعم الواسع والحزبي لأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس".
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل شاركت، ضمن عملها كعضوة بمجلس الشيوخ، في رعاية مشروع قانون يعترض على قرار دولي أدان المستوطنات في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وفي ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تؤمن هاريس بحل الدولتين، لكنها تشترط في المقابل بألا يكون دعم إسرائيل الكامل قضية حزبية، وتنادي بالدعم الأميركي الكامل لها.
هاريس كانت أيضا من أشرس المعارضين لقرار ترامب حظر دخول المسلمين للولايات المتحدة، في يناير/كانون الثاني 2017، وكانت تلك من بين المواقف التي لفتت إليها الانتباه كسياسية قادرة على المواجهة، مستفيدة من خبرتها السابقة مدعية عامة في كاليفورنيا.
بيئة مخضرمة
ولدت هاريس في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1964 بمنطقة سان فرانسيسكو الأمريكية، لأب أسود من دولة جامايكا وأم هندية.
والدها أكاديميان، فالأب دونالد كان يدرس بجامعة ستانفورد العريقة، أما والدتها شيامالا، فكانت باحثة في مجال السرطان، وناشطة مدنية، وحاصلة على درجة الدكتوراة من جامعة بيركلي الشهيرة.
انفصل والداها وهي في عمر 7 سنوات، فكان أن نشأت في كنف والدتها، وانتقلت للعيش معها وأختها الوحيدة إلى مدينة مونتريال الكندية، حيث مقر عمل والدتها.
ورغم ارتباطها بالموروث الهندي، إلا أن هاريس تؤكد أنها نشأت على ثقافة السود التي تبنتها.
وصفتها مجلة أمريكية بـ"السمراء في عالم أبيض"، في إشارة إلى ترعرها في عالم معظمه أبيض من حولها، قبل أن ترتاد لاحقا جامعة يطغى عليها الطلاب من أصل أفريقي.
وفي مرحلة شبابها، شعرت كامالا هاريس برغبة في التعرف على عالم الأمريكيين السود، وذلك ما دفعها للانضمام إلى جامعة هوارد التي تعتبر بمثابة هارفارد للأمريكيين من أصول أفريقية.