تحولت الحدود السورية – الإسرائيلية يوم 10 فبراير 2018م من حال هدوء كاملة امتدت لأكثر من أربعة عقود إلى حال صراع عسكري مؤقت.
تحولت الحدود السورية – الإسرائيلية يوم 10 فبراير 2018م من حال هدوء كاملة امتدت لأكثر من أربعة عقود إلى حال صراع عسكري مؤقت، تحول كبير في المشهد السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط نتيجة للمناوشات العسكرية التي أدت لسقوط طائرة إيرانية من دون طيار استهدفتها إسرائيل، وقابلها إسقاط طائرة حربية إسرائيلية استهدفتها الدفاعات الجوية السورية، صراع عسكري محدود كاد أن ينقل الأزمة من داخل الأراضي السورية إلى صراع إقليمي - دولي أطرافه المباشرة دولتان تشتركان بحدود برية هما سورية وإسرائيل، والطرف الثالث إيران التي ترتبط مع سورية بتحالفات سياسية وعسكرية.
إيران التي كانت تتواجد فقط على الحدود الإسرائيلية من خلال حزبها في لبنان، أصبحت الآن تتواجد على الأراضي السورية بشكل مباشر من خلال الحرس الثوري، أو من خلال مليشياتها المسلحة، هذا الوضع الجديد جعل إيران البعيدة جغرافياً قريبة من الحدث من خلال رجالها وليس من خلال وسطاء تعتمد عليهم لجمع المعلومات أو تنفيذ العمليات، فهل هذا الوضع الجديد الذي حصلت عليه إيران يعطيها ميزة التفوق النوعي على إسرائيل؟
نظرياً، يمكن القول إن التواجد الإيراني في سورية يعطي إيران ميزة تفوق نسبية على إسرائيل التي لا تملك حدوداً مباشرة أو غير مباشرة مع إيران، فإيران من خلال وجودها في سورية تستطيع تهديد العمق الإسرائيلي بشكل مباشر وبتكلفة أقل بكثير مما كانت تفعل من خلال حزبها في لبنان، كذلك تستطيع إيران القيام بعمليات جمع المعلومات عن القدرات الأمنية الإسرائيلية أو استفزاز إسرائيل من خلال الأدوات العسكرية البسيطة؛ كما فعلت من خلال إرسال طائرة من دون طيار والتي تم إسقاطها، كذلك تستطيع إيران إشغال إسرائيل على الجبهتين السورية اللبنانية في نفس الوقت وليس كما كان في الماضي، وهنا نستطيع القول إن إيران تفوقت على إسرائيل نظرياً.
من أتاح للإيرانيين والسوريين التحرك تجاه إسرائيل إنما أراد أن يعبّر عن رغبته في دخول أطراف دولية أخرى أكثر قدرة وقوة تستطيع مساعدته لإنهاء الأزمة السورية، وفرض الحلول السياسية، لذلك فإن ما حدث من إيران وسورية تجاه إسرائيل إنما هو تحريك أدوات عسكرية للحصول على منافع سياسية
أما عملياً، فأعتقد أن المسألة غاية في التعقيد وتتطلب النظر لعدة مستويات، فعلى مستوى القدرات العسكرية، أعتقد أن إسرائيل تملك آلة عسكرية متقدمة جداً تكنولوجياً وتقنياً وفنياً مقارنة بالآلة العسكرية الإيرانية التي تعتبر إلى حد كبير تقليدية، لذلك فإن إيران التي تتواجد على الأراضي السورية قد تدفع ثمناً باهظاً إذا ما تطور الصراع العسكري؛ وقد تخسر كل ما بنته في سورية، وعلى مستوى الدعم الدولي، فإن إسرائيل تحظى بدعم غير محدود من الولايات المتحدة التي تعتبر حماية إسرائيل والدفاع عنها حماية للأمن القومي الأميركي، فإذا كانت إسرائيل تحظى بالدعم الأميركي غير المحدود، فمن يدعم إيران لمواجهة الولايات المتحدة؟! وعلى المستوى السياسي فإن إسرائيل تستطيع استصدار قرارات دولية للدفاع عن نفسها لمواجهة الوجود العسكري الإيراني في سورية، فإسرائيل تحظى بدعم المجتمع الدولي الغربي وبصداقة قوية مع روسيا وبعلاقات جيدة مع الصين، فهل تستطيع إيران إيقاف ذلك؟!
فإذا كانت إيران تربح نظرياً وتخسر عملياً، فإنني أعتقد أن أعظم خسارة قد تواجهها في المستقبل هو خسارة نظام البعث في دمشق، فإسرائيل قد ترى أن أفضل وسيلة لتأمين عمقها الوطني وحماية أمنها تتمثل في القضاء على نظام البعث باستهدافه عسكرياً والقضاء عليه، وإذا ما حدث ذلك فإن الوجود الإيراني في سورية وفي لبنان سوف ينتهي تماماً، فهل نظام البعث سوف يجازف بمستقبله لحساب المغامرات الإيرانية، أم أنه سوف يواصل سياساته التاريخية بتهدئة حدوده مع إسرائيل؟
فإذا كانت هذه الحسابات الإقليمية معقّدة، فكيف إذا أضفنا لها الحسابات الدولية الروسية والأميركية، أعتقد أن المسألة ستتجاوز التعقيدات الإقليمية للدولية، فروسيا التي تدخلت في سورية خدمة لمصالحها لن تتسامح مع المغامرات الإيرانية على حساب مصالحها، والولايات المتحدة التي ترعى وتحمي إسرائيل لن تتسامح مع التجاوزات الإيرانية على حساب أمن وسلامة واستقرار إسرائيل.
وفي الختام من الممكن القول إن من أتاح للإيرانيين والسوريين التحرك تجاه إسرائيل إنما أراد أن يعبّر عن رغبته في دخول أطراف دولية أخرى أكثر قدرة وقوة تستطيع مساعدته لإنهاء الأزمة السورية، وفرض الحلول السياسية، لذلك فإن ما حدث من إيران وسورية تجاه إسرائيل إنما هو تحريك أدوات عسكرية للحصول على منافع سياسية، وليس تفوقاً إيرانياً أو تغيراً في ميزان القوى الإقليمي. هذه هي الرسالة غير المباشرة، فهل تكفي، أم أن المطلوب بداية إعلان عدم القدرة على إنهاء الأزمة؟
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة