توقع عدد من المراقبين استمرار اتفاق خفض الإنتاج حتى يونيو أو ديسمبر 2020، وبينما تردد أن روسيا تعارض ذلك
ترجح العديد من المصادر اتجاه أسعار النفط للارتفاع خلال العام المقبل تحت تأثير التطورات الأخيرة التي شهدتها الأسواق العالمية، وتأتي هذه التطورات تحت عنوانين رئيسيين، أولهما الاتفاق الجديد لتحالف أوبك+ بزيادة خفض الإنتاج، وثانيهما الاتفاق بين الولايات المتحدة والصين على اتفاق المرحلة الأولى التجاري، الذي من شبه المؤكد أن يتم توقيعه خلال شهر يناير المقبل.
يمكن مما تقدم استنتاج أنه في ضوء الالتزام الشديد بخطة خفض إنتاج أوبك+، ومع الآثار الإيجابية المنتظرة لاتفاق التجارة الأمريكي الصيني، ربما يتأرجح سعر برميل نفط برنت خلال العام المقبل بين 65-70 دولارا، خاصة إذا ما تم تمديد الاتفاق كما هو متوقع لما بعد نهاية شهر مارس
جاء الاتفاق بين أطراف تحالف أوبك+ على تعميق خفض الإنتاج أثناء انعقاد مؤتمر لهم في السادس من ديسمبر؛ حيث تم الاتفاق على خفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا إضافية، ليصبح إجمالي الخفض 1.7 مليون برميل يوميا، علاوة على تعهد من المملكة العربية السعودية بخفض إضافي فوق الحصة المحددة لها بمقدار 400 ألف برميل يوميا، أي أن الخفض الفعلي سيصل إلى نحو 2.1 مليون برميل يوميا، وكان اللافت للنظر في هذا الاتفاق هو السهولة النسبية التي تم بها دون خلافات كبيرة أو مفاوضات شاقة بين أطرافه كما جرت العادة.
وكشفت وكالة رويترز النقاب مؤخرا أن الاتفاق تم بعد أن استعانت المملكة العربية السعودية بدولة الإمارات العربية المتحدة لممارسة ضغط ثنائي على روسيا، أكثر أطراف التحالف إنتاجا، للموافقة على الخفض الإضافي، وذلك قبل انعقاد مؤتمر أوبك+؛ حيث ذكرت الوكالة أنه تم التوصل لتفاهم بين الأطراف الثلاثة السعودية والإمارات وروسيا على خطة خفض الإنتاج يوم الأول من ديسمبر الماضي، على هامش سباق الجائزة الكبرى في أبوظبي ضمن بطولة العالم لسباقات فورمولا 1 للسيارات.
ومن المعروف أن شركات النفط الروسية تعارض خفض إنتاجها، بدعوى أنها بذلك تتخلى عن حصتها السوقية مقابل قيام آخرين، لا سيما الولايات المتحدة بزيادة حصتهم السوقية، وربما كانت صعوبة الحصول على موافقة روسيا هي التي دفعت نحو التمسك بخطة خفض الإنتاج لمدة ثلاثة أشهر فقط؛ حيث ينتهي أجل الاتفاق في مارس المقبل، وهي أقل فترة زمنية على الإطلاق لاتفاق خفض إنتاج.
ولكن مقابل هذه المرونة للحصول على موافقة روسيا يبدو أنه تم أيضا النص على عقد اجتماع طارئ لأطراف الاتفاق في بداية شهر مارس المقبل، لكي يتم النظر في الاتفاق بناء على التطورات التي ستشهدها الأسواق.
وقد توقع عدد من المراقبين استمرار اتفاق خفض الإنتاج حتى يونيو أو ديسمبر 2020، وبينما تردد أن روسيا تعارض ذلك، إلا أن وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان قال إن التعاون مع روسيا سيستمر، وأوبك+ تريد ببساطة أن تكون أكثر مرونة في تعديل الإنتاج والاستجابة لحاجات السوق.
والمعيار الذي أعاد وزير الطاقة السعودي التذكير به هو النزول بمستويات المخزون التجاري من النفط لدى الدول المستهلكة إلى متوسط مستوى هذا المخزن خلال فترة الخمس سنوات 2010-2014، والسؤال المطروح هو: هل تكفي هذه التخفيضات للقضاء على فائض المعروض في الأسواق المتوقع خلال العام المقبل؟ البعض يرى أن الاتفاق قد يكون مناسبا شرط ضمان الالتزام الجماعي بالحصص المحددة، ويشيرون على وجه أخص إلى تجاوز كل من العراق ونيجيريا للحصص المحددة لهما خلال اتفاق خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا منذ بداية هذا العام.
بينما ترى وكالة الطاقة الدولية، التي تضم أغلب البلدان المستهلكة الرئيسية للنفط في العالم، أن مخزونات النفط العالمية قد ترتفع بشكل حاد رغم اتفاق أوبك+ وتباطؤ متوقع في نمو الإنتاج خارج أوبك+ إلى 2.1 مليون برميل يوميا بدلا من 2.3 مليون برميل يوميا، كانت قد توقعتها في السابق.
ويأتي هذا الانخفاض مع توقع انخفاض نمو الإنتاج في الولايات المتحدة؛ حيث قالت الوكالة إنها تتوقع نزول نمو الإنتاج الأمريكي إلى 1.1 مليون برميل يوميا خلال العام المقبل، مقارنة بنمو بلغ 1.6 مليون برميل يوميا خلال العام الجاري، وتقدر الوكالة ارتفاع مخزونات النفط العالمية بنحو 700 ألف برميل في الربع الأول من العام المقبل، لكن هذا التوقع من قبل الوكالة يعد تقليديا مع مراهنتها الدائمة على انخفاض أسعار برميل النفط بما يحقق مصالح دولها الأعضاء.
التطور الثاني المهم الذي يقدم المزيد من الدعم لخطة أوبك+ هو ما يطلق عليه الاتفاق التجاري المرحلة الأولى بين الولايات المتحدة والصين، فقد أعلن البلدان عن توصلهما لاتفاق بالفعل، وهو ما يدفع ببعض التفاؤل في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في العالم، وما يترتب على ذلك بالطبع من ارتفاع الطلب على النفط.
وكانت بعض المؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد الدولي توقعت في شهر أكتوبر الماضي أن استمرار النزاع التجاري بين واشنطن وبكين سوف يدفع معدلات النمو الاقتصاد العالمي نحو الانخفاض بمقدار 0.8% خلال العام المقبل، ومن المنتظر الآن أن تتعدل هذه التوقعات المتشائمة.
وكانت أسعار العديد من المعادن والسلع الأولية، وليس النفط وحده، ارتفعت أسعارها عقب إعلان التوصل لاتفاق، وهو اتجاه ينتظر أن يستمر خلال العام المقبل مع اتجاه معدلات النمو الاقتصادي للارتفاع.
نتيجة هذين التطورين سارعت العديد من بنوك الاستثمار الكبرى بتعديل توقعاتها السابقة حول أسعار النفط خلال العام المقبل، وجاءت أعلى التوقعات من قبل بنك أوف أمريكا ميريل لينش الذي قال إن الالتزام الشديد بخفض أكبر لإنتاج أوبك+ علاوة على تطورات اقتصادية إيجابية يأتي على رأسها اتفاق التجارة بين واشنطن وبكين، قد يدفع سعر برنت إلى 70 دولار للبرميل قبل الربع الثاني من العام المقبل.
بينما جاءت أقل التوقعات من قبل بنك مورجان ستانلي، الذي قال إن خطة أوبك+ لخفض الإنتاج ستدعم السوق فقط على المدى القصير، وإنه من المرجح أن يعود سعر خام برنت إلى 60 دولارا للبرميل بحلول منتصف 2020، لكن من المهم الإشارة إلى أن هذا التوقع جاء قبل إعلان التوصل لاتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والصين.
ورفع بنك جيه بي مورجان توقعاته لسعر النفط في ضوء التنبؤ بتوازن أكبر بين العرض والطلب، نتيجة زيادة خفض الإنتاج من قبل أوبك+ ونمو اقتصادي أقوى في الأسواق الناشئة، وعدل البنك توقعاته لسعر برنت إلى 64.5 دولار للبرميل في 2020، بعد أن كان ذكر في توقع سابق أنها ستكون 59 دولارا فقط.
يمكن مما تقدم استنتاج أنه في ضوء الالتزام الشديد بخطة خفض إنتاج أوبك+، ومع الآثار الإيجابية المنتظرة لاتفاق التجارة الأمريكي الصيني، ربما يتأرجح سعر برميل نفط برنت خلال العام المقبل بين 65-70 دولارا، خاصة إذا ما تم تمديد الاتفاق كما هو متوقع لما بعد نهاية شهر مارس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة