تخطف الأضواء من لندن وسنغافورة.. طفرة صناديق التحوط في الإمارات

تبرز الإمارات كمركز عالمي لصناديق التحوط بفضل البيئة التنظيمية والضريبية المرنة، والموقع الزمني الجاذب، وسط ثقة متزايدة من كبار المستثمرين رغم التوترات الإقليمية.
نشرت وكالة بلومبرغ تحليلاً موسعًا حول تصاعد مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي جاذب لصناديق التحوط، مشيرة إلى أن رأس المال ليس وحده ما يدفع هذا التحول. فقد بات كبار المتداولين العالميين أنفسهم من يقودون موجة انتقال شركاتهم إلى الإمارات، في ظل رغبة متزايدة بين الكفاءات المتميزة للاستقرار والعمل من دبي وأبوظبي.
وأوضحت الوكالة أن شركات بارزة في مجال صناديق التحوط، مثل دايمون آسيا، وميلينيوم مانغمنت، وبوينت 72، وبريفان هوارد، تعمل على توسيع وجودها في الإمارات، استجابةً لطلب موظفيها وسعيًا للاحتفاظ بالكوادر النخبوية في بيئة عمل محفزة ومستقرة.
ويعزو التقرير هذا التحول إلى مجموعة من العوامل الحاسمة التي تجعل كفة الإمارات راجحة، في مقدمتها: غياب ضريبة الدخل، والموقع الزمني الذي يربطها بالأسواق المالية الكبرى حول العالم، والسياسات المواتية للوافدين، إلى جانب الإطار التنظيمي والضريبي الجاذب، في تباين واضح مع ما هو سائد في مراكز مالية تقليدية مثل المملكة المتحدة وسنغافورة.
لم يعد كبار المستثمرين يخلطون بين مناخ الاستقرار في الإمارات والتوترات الإقليمية في الشرق الأوسط. ولهذا، فإن تقييمهم للمخاطر يختلف عن التصور العام، نظرا إلى أن "المخاطر المتصورة لدى معظم الناس أكبر من تلك التي تضعها الصناديق الكبرى فعليا في الحسبان عند صنع القرار"، حسبما يرى رانبريت ساندو، وهو متخصص في توظيف الكوادر بدبي.
دبي وجهة لاستقطاب المواهب
في أواخر عام ٢٠٢٣، خسر داني يونغ، الخبير المخضرم في صناديق التحوّط، فرصة التعاقد مع متداول مرغوب به كان يسعى لتوظيفه. ليس لأن هذا الشخص لم يرغب بالعمل في شركته، بل كان ببساطة متلهفًا للانتقال إلى مدينة منافسة.
وتتخذ شركة دايمون آسيا كابيتال، التي يملكها يونغ، من سنغافورة مقرًا لها، وكذلك كان المتداول، ومع ذلك، فقد كانت شركة منافسة لها مكتب في دبي هي التي أقنعته المتداول وجذبتها له بنجاح في النهاية.
وفي غضون أسابيع، اتخذ داني يونغ، المؤسس المشارك لدايمون، بعد رفض هذا المتداول له، قرار بإنه إذا كانت المواهب متجهة دبي، فنحن سنفعل كذلك.
وافتتحت بالفعل شركته في دبي في أكتوبر/تشرين الأول، ووقعت عقد إيجار لمقر أكبر بكثير، وتهدف إلى تعيين ١٠ مديري محافظ هناك بحلول نهاية العام.
يُظهر التوسع الخارجي المتسرع لدايمون أن حتى سنغافورة، وهي دولة رئيسية منخفضة الضرائب، قد واجهت صعوبة في مواكبة مبادرات الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا، بحسب ما أفادت وكالة بلومبيرغ.
التي تعتبر أنه دليل على أمر آخر أيضًا، أن صناديق التحوّط لم تنجذب فقط إلى أكثر من ٣ تريليونات دولار في أيدي الصناديق السيادية الإماراتية والعائلات الثرية، ولكن كان هذا التوجه مدفوعا من قبل أفضل العاملين لديهم أيضًا.
أثار تصاعد عدد الحروب في الشرق الأوسط، لا سيما الصراع الإسرائيلي الإيراني، تساؤلات حول استمرار تدفق الوافدين الجدد للإمارات.
ويقول العديد من المسؤولين التنفيذيين في القطاع، الذين فضلوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة مسائل سياسية حساسة، إن هجومًا أمريكيًا على إيران قد يقلب الأمور رأسًا على عقب.
لكن العاملين على استقطاب المواهب المالية إلى الإمارات العربية المتحدة يقولون إن البلاد لم تعد تُدمج تلقائيًا مع المنطقة الأوسع.
ويقول راهنبريت ساندو، وهو خبير توظيف في شركة دورلستون بارتنرز ومقرها دبي، "بطبيعة الحال، كان هناك بعض التأثير على المعنويات".
ومع ذلك، فإن المخاطر التي يتصورها معظم الناس أكبر مما يضعه المستثمرون والصناديق الكبرى في الحسبان عند اتخاذ القرارات.
وبدافع من إغراء عدم وجود ضريبة دخل شخصية، ووجود منطقة زمنية تربط الشرق والغرب، ونمط حياة مصمم خصيصًا للأثرياء، طالب العديد من المتداولين بالانتقال إلى دبي وأبوظبي رغم التوترات الإقليمية المتصاعدة خلال العامين الماضيين.
وفي خضم صراع على المواهب، سعت صناديق التحوط إلى إرضائهم.
صناديق التحوط في الإمارات لديها عدد أقل من الموظفين ولكنها تنمو بأسرع معدل
ولندن هي المدينة التي فقدت أكبر عدد من الوظائف في قطاع صناديق التحوط لصالح الإمارات العربية المتحدة، وفق بلومبرغ.
وقد انجذب المواطنون الهنود، بمن فيهم الموظف الذي لم ينجح دايمون في توظيفه، بشكل خاص إلى مكان أقرب إلى العائلة والوطن من المراكز الأخرى الدولية البعيدة.
ومن بين 146 جنسية تعمل في مركز دبي المالي العالمي، يُشكل الهنود النسبة الأكبر، وفقًا لأرقام المركز نفسه، يليهم البريطانيون.
ويقول دييغو ميجيا، مؤسس شركة تولا كابيتال مانغمنت ومقرها لندن، متحدثًا عن وجوده في دبي بعد إطلاق أحد أكبر صناديق التحوط على الإطلاق العام الماضي، "إنها مركز رئيسي لجذب المواهب".
وتستمر هجرة الموظفين بوتيرة هي الأسرع في نفس السياق، حيث افتتحت شركة ميلينيوم مانغمنت، العملاقة في قطاع الأعمال، فرعًا لها في دبي لأن أحد فرقها أراد التواجد هناك، وكانت الشركة تتوقع نموًا في السوق، وفقًا لشخصٍ مُطّلع على الأمر لم يُرد الكشف عن اسمه، وكان يُناقش استراتيجيةً خاصة.
وطلب آخرون الانضمام، واكتسب المكتب زخمًا خاصًا به، واليوم، يضم المكتب حوالي 120 شخصًا وحوالي 25 فريقًا.
وجعلت بريفان هوارد من أبوظبي مركزًا تجاريًا رئيسيًا، حيث يتخذها الشريك المؤسس تريفون ناتسيس، مقرًا له هناك.
أيضا افتُتحت شركة Point72 لإدارة الأصول، المملوكة للملياردير ستيف كوهين، في دبي عام 2022 نتيجةً للطلب المتزايد على الموظفين، ويعمل بها الآن أكثر من 40 موظفًا.
وافتتحت شركة ديمتري بالياسني طابقًا ثانيًا بمقرها في الإمارات، مما سيسمح لها بمضاعفة طاقتها الاستيعابية البالغة 32 موظفًا خلال عامين.
هروب الأثرياء
وتقول بلومبرغ، إن بروز الإمارات العربية المتحدة كوجهة جذب لمديري الأصول الأثرياء، وبدرجة أقل، صعود مراكز استثمارية أخرى مثل موناكو وميامي، قد تحقق بفضل تراجع منافسيها التقليديين.
على عكس لندن ونيويورك وهونغ كونغ وسنغافورة وباريس، رسخت دبي وأبوظبي مكانتهما وعوضتا الفوارق بينهما وبين هذه المناطق من خلال إزالة أكبر قدر ممكن من العقبات.
وتقول الوكالة، إن معظم موظفي صناديق التحوط الذين انتقلوا إلى الإمارات العربية المتحدة عملوا سابقًا في المملكة المتحدة.
فلندن، التي تضم منطقتا مايفير وسانت جيمس الفاخرتان، والتي تعتبر أكبر تجمع لصناديق التحوط خارج الولايات المتحدة، خسرت مكانتها تدريجيًا، وأصبح من الماضي أنها عاشت فترة احتضنت فيها الأثرياء بكل أشكالهم.
حيث يحاول الأثرياء الفرار الآن من تغييرات الضرائب في المملكة المتحدة.
وبول مارشال، الذي يدير صندوقه التحوطي في لندن أصولًا تبلغ حوالي 70 مليار دولار - والذي يشارك في ملكية قناة إخبارية - قدّم قائمة من الشكاوى عند كشفه عن خطته لإنشاء فرع في أبوظبي في ديسمبر/كانون الأول.
وقال، "ضريبة الدخل: بريطانيا 45%، وأبو ظبي صفر، ضريبة أرباح رأس المال: أبوظبي صفر وفي بريطانيا قفذت لـ 24%، لذا، فيما يتعلق بالضرائب، فإن أبوظبي تُحقق نجاحًا باهرًا".
وتوماس مارغريسون، الذي يربط صناديق التحوّط بالمستثمرين نيابةً عن شركة الوساطة المالية الرائدة ماريكس، هو الآخر الذي أقدم على هذه الخطوة لأسباب شخصية ومهنية، حيث ترك وظيفته في لندن ليلحق بزوجته المحامية إلى دبي، التي كانت قد قررت البقاء بعد انتقالها الأول بسبب قيود كوفيد في المملكة المتحدة.
ويقول سلمان جعفري، الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال في سلطة مركز دبي المالي العالمي: "بالنسبة للكثيرين، ما بدأ كإقامة مطولة تحوّل إلى انتقال دائم".