«البنتاغون» والإعلام.. معركة مشتعلة حول تقييد المعلومات

سياسة جديدة يتبناها وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث تثير غضب وسائل الإعلام التي تراها هجوما غير مسبوق على حرية الصحافة.
وتخوض وسائل الإعلام الأمريكية وعدد من المنظمات معركة حول القواعد الجديدة التي وضعها هيغسيث والتي يقولون إنها تقيّد وصول الصحافة إلى وزارة الحرب (المسمى الجديد لوزارة الدفاع الأمريكية؛ البنتاغون).
وفي حين يشير خبراء قانونيون ومدافعون عن حقوق الإعلام إلى البند الذي يقيد نشر حتى المعلومات غير السرية باعتباره هجومًا غير مسبوق على حرية الصحافة، يقول البنتاغون إن وسائل الإعلام تُسيء تفسير القواعد الجديدة وذلك وفقا لما ذكره موقع "ّذا هيل" الأمريكي.
وقال الموقع إن هيغسيث، الذي اتهم الصحفيين مرارًا وتكرارًا بمحاولة "تخريب" أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كتب على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، أن هذه الخطوة ستُثبت أن "الصحافة لا تُدير البنتاغون.. الشعب هو من يُديره".
ووفقا لمذكرة من 17 صفحة صدرت في 19 سبتمبر/أيلول الجاري، فإنه للحصول على تصريح دخول للبنتاغون أو تجديده، 9 سبتمبر/أيلول، يجب على الصحفيين توقيع عقد يقر بوجوب "موافقة مسؤول مختص على نشر معلومات الوزارة قبل نشرها، حتى لو كانت غير سرية".
وقد يؤدي ذلك إلى حرمان الصحفيين الذين يرفضون توقيع العقد أو يخالفون الشروط، من دخول البنتاغون وجميع المنشآت العسكرية الأمريكية وبالفعل تم إبلاغ الصحفيين بضرورة توقيع النموذج وإلا فسيتم إلغاء تصاريحهم في غضون أسبوعين.
صحيفة "ذا هيل" التي تنسق ردها مع لجنة المراسلين من أجل حرية الصحافة، أعلنت معارضتها للقيود الجديدة، وطالبت بتأجيل تطبيقها وتقديم توضيحات حول السياسة الجديدة.
ويوم الأربعاء الماضي، أعلنت اللجنة وهي مؤسسة غير ربحية أن مسؤولي البنتاغون وافقوا على الاجتماع لمناقشة المخاوف بشأن حقوق الصحفيين المكفولة بالتعديل الأول.
وفي بيان لها، قال غابي روتمان، نائب رئيس اللجنة لشؤون السياسات، إن سياسة البنتاغون، في شكلها الحالي، "يمكن استغلالها لإسكات التقارير المستقلة التي تخدم المصلحة العامة حول البنتاغون ودفاعنا الوطني".
في غضون ذلك، طالبت جمعية الصحفيين المحترفين، وزارة الحرب"بإلغاء هذه الإجراءات فورًا"، وحثت جميع الصحفيين والمدافعين عن حرية الصحافة "على الانضمام إلينا في معارضة موحدة ومقاومة هذه المحاولة الأخيرة لتكميم الصحافة وحرمان الشعب الأمريكي من الشفافية والمساءلة التي يستحقها".
وردّا على ذلك، كتب المتحدث باسم البنتاغون، شون بارنيل، على منصة "إكس" أنه "ليس من المفاجئ أن تشوه وسائل الإعلام الرئيسية مرة أخرى إجراءات البنتاغون الصحفية".
وقال "لنكن واضحين تمامًا: الصحفيون غير مُلزمين بتوضيح تقاريرهم لنا.. هذا الادعاء كذب" وأضاف "اصطحبوا مرافقًا في المناطق الحساسة.. ارتدوا بطاقة اعتماد صحفي.. لا تُشجعوا موظفينا على انتهاك سياسة وزارة الدفاع.. الأمر بسيط للغاية".
وفي رسالة ردًا على مخاوف لجنة المراسلين، قال بارنيل إن قواعد نشر المعلومات تُطبق على موظفي البنتاغون، وليس على المراسلين لكنه أوضح أن وصول الصحافة قد يتأثر إذا تورط الصحفيون في انتهاكات للقواعد المتعلقة بمعلومات الأمن القومي السرية والمعلومات غير السرية الخاضعة للرقابة.
ووصفت جمعية الصحفيين المحترفين رد البنتاغون بأنه "مخادع" وقالت إن "الصحفيين ليسوا موظفين في وزارة الحرب.. لا ينبغي أبدًا مطالبتهم بالامتثال للقيود المُخصصة لموظفي الحكومة" وأضافت "الإيحاء بخلاف ذلك يُعدّ خلطًا خطيرًا للأدوار يُقوّض التقارير المستقلة".
ودائما ما اختلفَت الحكومة والصحافة حول نشر معلومات سرية أو حساسة، وأبرزها نشر أوراق البنتاغون عام 1971 والتي وصفت بأنها "سرية للغاية - حساسة" وكشفت حقيقة أن إدارة الرئيس الأسبق ليندون جونسون ضللت على مدار سنوات الرأي العام بشأن مسار حرب فيتنام.
وأدى نشر صحيفتي "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست" لهذه الوثائق إلى معركة قانونية بارزة في المحكمة العليا، أيدت ضمان التعديل الأول لحرية الصحافة.
من جانبه، حذّر جوناثان تورلي، أستاذ القانون بجامعة جورج واشنطن والمساهم في قناة "فوكس نيوز" من أن سياسة البنتاغون الصحفية قد تكون "مبالغًا فيها"، إذ لا توجد سابقة لمثل هذه القواعد التي "ستحكم الخناق على حرية الصحافة، وستكون التكلفة باهظة للغاية".
وأثار هذا الجدال انتباه مقدم البرامج التلفزيونية جيمي كيميل، الذي عاد إلى شاشة قناة "ايه بي سي" بعد وقف برنامجه الأسبوع الماضي بسبب تعليقه حول اغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك.
وفي افتتاحيته الثلاثاء الماضي، قال كيميل "يريدون أن يختاروا ما يُنشر من أخبار.. أعلم أن هذا ليس مثيرًا للاهتمام كتكميم فم كوميدي، لكن من المهم جدًا أن تكون هناك صحافة حرة، ومن الجنون ألا نوليها اهتمامًا أكبر".
ولم يتضح بعد ما إذا كانت القيود الجديدة تحظى بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فردا على سؤال عما إذا كان ينبغي على البنتاغون أن يقرر ما يمكن لوسائل الإعلام تغطيته، أجاب "لا، لا أعتقد ذلك.. لا شيء يوقف الصحفيين".
وتُعد القواعد الجديدة استمرارًا لحملة هيغسيث الصارمة ضد الصحفيين رغم تفاخره المتكرر بالشفافية ففي أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، طرد مكتبه أربع وسائل إعلامية من مكاتبها في البنتاغون لصالح وسائل إعلام أخرى.
وعندما اشتكى الصحفيون من هذه الخطوة، أزال المسؤولون أربع وسائل إخبارية إضافية، بما في ذلك "ذا هيل".
وفي مايو/آيار الماضي، جعل هيغسيث وهو مذيع سابق في "فوكس نيوز"، بعض ممرات البنتاغون محظورة على الصحفيين الذين لا يرافقهم حراسة رسمية.
كما جعل هيغسيث غرفة الإحاطة الصحفية في البنتاغون محظورة على الصحفيين إلا إذا كان هناك إحاطة منعقدة وذلك على الرغم من أن هذه الغرفة كانت تُستخدم سابقًا كمكان للصحفيين الذين لا يملكون مساحة عمل مخصصة، للوصول إلى الإنترنت ونشر تقاريرهم من داخل المبنى.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzUg جزيرة ام اند امز