مدرعة «أجاكس».. سلاح التحديث الذي هز ثقة الجيش البريطاني
من رمز للتحديث العسكري إلى اختبار قاسٍ لسلامة الجنود ونزاهة منظومة التسليح، هكذا بات كشف الجنود البريطانيين لعيوب المدرعة «أجاكس» مخاطرة مهنية قد تقود إلى المحاكمات العسكرية بدلًا من المساءلة المؤسسية.
وبين برنامج تبلغ كلفته 6.3 مليارات جنيه إسترليني، وسيلٍ من التسريبات والشهادات الصادمة، تتكشف أزمة تتجاوز خللًا تقنيًا إلى فشل عميق في سلسلة القيادة وصناعة القرار الدفاعي، يضع المؤسسة العسكرية البريطانية أمام سؤال جوهري: كيف أصبحت الحقيقة عبئًا، والصمت درعًا، في واحدة من أكثر صفقات التسليح إثارة للجدل؟
فماذا حدث؟
يخوض جنود وموظفون في الجيش البريطاني ومعاهد الاختبار معركة غير متكافئة، حيث يخاطرون بالمثول أمام محاكمات عسكرية ومستقبلهم المهني من أجل كشف النقاب عن خلل جسيم في برنامج مركبة "أجاكس" المدرعة، أحد أكثر البرامج العسكرية البريطانية تكلفة وإثارة للجدل.
ووفقا لصحيفة «التليغراف» البريطانية، يواجه البرنامج الذي تبلغ تكلفته 6.3 مليارات جنيه إسترليني، عاصفة انتقادات حادة بعد تعليق استخدام المركبات بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.
وجاء قرار الإيقاف المؤقت بعد تعرضها لحادثى خلال مناورة "تايتان ستورم" على سهل سالزبري في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث أُصيب العشرات من الجنود بمشاكل صحية إثر استخدام ناقلات الاستطلاع التي تزن 42 طناً. وقد فتحت هذه الحادثة الباب على مصراعيه لتدفق غير مسبوق من التسريبات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
عيوب هيكلية
تحولت التعليقات الأولية القليلة إلى فيض من الشهادات والمقاطع المصورة المثيرة للقلق. أظهرت التسريبات مشاكل هيكلية وعملية خطيرة، منها ألواح معدنية غير مثبتة جيداً تتحرك بحرية على جوانب المركبة، وأغطية مهتزة، بل وتسربات مائية داخل هيكل المركبة المدرع الذي يُروج له بأنه "الأفضل عالمياً".
ووفقاً لصور مسربة، كان الاهتزاز شديداً لدرجة تسببت في تساقط عدد كبير من المسامير والأجزاء خلال القيادة، ما استدعى قيام الجنود بجمعها من أرضية المركبة.
لكن الإدانة الأكبر كانت الشهادات الشخصية لمن شاركوا في اختبار أو تصنيع "أجاكس". وتشير هذه الشهادات إلى إهمال متعمد لمعايير السلامة، وتقليص للإجراءات، وتجاهل مستمر للشكاوى التي رُفعت إلى الضباط الكبار.
خطر المحاكمة العسكرية
وفقاً لتحليل صحيفة "التليغراف"، فإن العديد من هذه التسريبات على صفحة "فليوربووتس" العسكرية تأتي من أفراد يخدمون فعلياً. وحذر فيليب إنغرام، كونيل متقاعد كان مشاركاً في المراحل الأولى للبرنامج عام 2011، من أن هؤلاء الجنود "يضعون أنفسهم في خط النار".
وقال: "يمكن محاكمة هؤلاء الجنود بسهولة أمام محكمة عسكرية. إنهم يخاطرون بمستقبلهم المهني للكشف عن هذه المعلومات". ووصف إنغرام الموقف بأنه "مثال صارخ على فشل تام وانهيار في سلسلة القيادة".
كما أثيرت ضجة حول تصريحات لمسؤول في شركة "جنرال ديناميكس" الأمريكية المصنعة للمركبة، حيث اتُهم بوب سكيفينجتون بالتقليل من إصابات الجنود وألقى اللوم على "عدم كفاءة" الطواقم، وهو ما وُصف في البرلمان البريطاني بأنه "مخزٍ".
من جهته، أعرب ألفي أشر، المدير السابق للصفحة والمحارب القديم في أفغانستان، عن صدمته من حجم المشاركة، قائلاً: "الأمر لا يقتصر على العسكريين، بل يشمل موظفين مدنيين وموظفين في جنرال ديناميكس واختصاصيي اختبار... الجميع يدرك أن المشكلة ليست في حلقة واحدة من السلسلة، بل في السلسلة بأكملها".
إصابات جسدية ومستقبل مجهول
تتجاوز المخاوف الأعطال الميكانيكية إلى أضرار صحية مباشرة للجنود. فقد ادعى المقدم المتقاعد روب بيج، الذي قاد وحدة اختبار "أجاكس" بين 2019 و2021، علناً أنه فقد 20% من سمعه، وربط ذلك بفترات الاختبار الطويلة داخل المركبة.
في مواجهة هذه الأزمة المتعددة الأوجه، يلوح مستقبل مجهول لبرنامج "أجاكس". وقد تعهد وزير الدفاع البريطاني لوك بولارد باتخاذ "أي قرارات مطلوبة لوضع نهاية لهذه الملحمة".
ورداً على الأزمة، أكدت وزارة الدفاع البريطانية أن سلامة الأفراد هي الأولوية، وأن التوقف الحالي يهدف للتحقيق. وأعلنت عن مراجعة وزارية لتقييم فعالية الإجراءات السابقة والتحقق من جميع جوانب السلامة.
وتبقى هذه الأزمة اختباراً صارخاً لمساءلة المشتريات الدفاعية الباهظة الثمن وثقة القوات في معداتها، وسط تضارب بين الروايات الرسمية وشهادات المطلعين التي تدفع ثمن الكشف عنها.