لفت انتباهي في خضم تغطيات إحياء الأمريكيين للذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول على الشعب الأمريكي -ولا أقول الحكومة فقط- هذه العبارة لسيدة فقدت والدها في تلك الهجمات.
قالت "ثيا ترينيداد" إن الأمر "صعب لأنك كنت تأمل أن يكون هذا وقتاً مختلفاً وعالماً مختلفاً"، مضيفة أنه "في بعض الأحيان يبدأ التاريخ في تكرار نفسه، لكن ليس بأفضل الطرق".
تفسير ذلك هو أن الطرف، الذي قام بقتل والد ثيا، والآلاف غيره، ما زال فعالاً، بل عاد بقوة أكثر، والمضحك المبكي أن الطرف الذي يرثي ويحيي ذكرى الضحايا اليوم، أي السلطات الأمريكية، هي نفسها من تسببت في انتعاش وقوة تنظيم "القاعدة" اليوم، من خلال "تسليم" أفغانستان لحركة "طالبان"، التي هي الصديق الصدوق لتنظيم "القاعدة"!
الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي صدم العالم وأصدقاء أمريكا قبل الأعداء، بهرولته المخجلة من أفغانستان، دافع عن قراره بسحب قوات أمريكا من أفغانستان، قائلاً على هامش المراسم التي أقيمت في الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر: "إن الولايات المتحدة لا يمكنها غزو كل بلد يوجد فيه القاعدة".
لكن كلامه حيدة عن جوهر الموضوع، فجوهر الموضوع هو أن تسليم "طالبان" مقاليد أفغانستان هو خدمة أمريكية مباشرة لتنظيم "القاعدة"، فهمت إدارة بايدن ذلك أم لم تفهم.
في نفس الكلمة اعتبر "بايدن" أن الأمريكيين أنجزوا مهمتهم عبر قتل أسامة بن لادن، مؤسس "القاعدة"، وتحييد الشبكة.
وهذا التصوير القاصر للنصر على "القاعدة"، يذكرني بكلام كثير قيل في أثناء رياح الربيع العربي، بأن هبّة الشعوب العربية من أجل الحرية والديمقراطية تعني نهاية "القاعدة" وخطابها، وهذا كما تبين لاحقاً، بل في أثناء الربيع العربي ذاته، تحليل أقل وصف له هو الاستعجال والعاطفية.
أكاديمي أمريكي/لبناني، هو الدكتور فواز جرجس، كان ممن طرح هذه الفكرة حينها في كتاب له بعنوان "القاعدة: الصعود والأفول... تفكيك نظرية الحرب على الإرهاب" صدر عام 2012، أي في ذروة الربيع العربي، معتبراً أن تنظيم "القاعدة" انتهى وهُزم وتفكك.
الفكرة، التي لا يتوقف الدكتور جرجس عن ترديدها، هي أنه "يشرح" الموقف الغربي والأمريكي، وأنهم، أي الغربيين، لديهم منطق يجب فهمه، خلاصته هي "قداسة" فكرة الديمقراطية، وأنهم يرون ما جرى في مصر "انقلاباً عسكرياً"، هذا من الناحية المثالية، ومن الناحية العملية، والحديث ما زال مع الشارح جرجس، فهي أن عزل الإخوان من الحكم سيؤدي إلى فشل الرهان الغربي والأمريكي على نجاح الإخوان في الحكم، وبالتالي إخفاق حركات الإسلام السياسي "المعتدل"، لذا فإقصاء الإخوان يعني إتاحة المجال للعنف الأصولي... إلخ.
اليوم يريد البعض تكرار نفس هذه الأوهام حول نهاية "القاعدة" ومتفرعاتها، ومظلتهم الكبرى، جماعات الإسلام السياسي.
الأمر كما قالت السيدة الأمريكية "ثيا ترينيداد"، المفجوعة في والدها القتيل خلال سبتمبر 2001، هو أنه "في بعض الأحيان يبدأ التاريخ في تكرار نفسه، لكن ليس بأفضل الطرق".
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة