في حي الحسين بالقاهرة، يتفاوت إقبال المواطنين المصريين على شراء الوصفات الطبيعية والأعشاب كبديل للأدوية.
كعادة المصريين، يبحثون عن طرق بديلة لمواجهة الأزمات، ومع تفاقم أزمة الأدوية من حيث النقص الشديد الذي تشهده الأسواق والصيدليات المصرية، والزيادة السعرية الجديدة التي طبقت على الأدوية المحلية والمستوردة، كنتيجة لارتفاع سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري، تصبح محال العطارة والأعشاب طريق المصريين للتداوي وبديل للأدوية، ليواجه بعض الزبائن أزمة جديدة عند التوجه لمحال العطارة؛ لارتفاع أثمان الأعشاب والعطارة أيضًا.
وفي حي الحسين التابع لحي الجمالية بالقاهرة، أقدم الأحياء المصرية التي تشتهر بمحال العطارة المتخصصة في بيع الأعشاب، يتفاوت إقبال المواطنين المصريين على شراء الوصفات الطبيعة والأعشاب كبديل للأدوية، وتتنوع الأسئلة حول الأعشاب المتوفرة لعلاج المعدة والتهاب الأعصاب والمفاصل وتفتيت الحصوات.
الأعشاب بديل الأدوية.. تفاوت الإقبال
وبقول صاحب أحد محال العطارة، لبوابة "العين" الإخبارية، رافضًا ذكر اسمه: "مع زيادة أسعار الأدوية ونقص بعض الأصناف بالسوق، نظرًا لتوقف الاستيراد الفترة الماضية، زاد إقبال المشترين على شراء الأعشاب والعطارة بنسبة تقدر بنحو 80% عن السنوات الماضية"، موضحًا أن الأعشاب الرائجة في البيع خلال الشهور الحالية، مرتبطة بأمراض فصل الشتاء، من أعشاب معالجة لنزلات البرد والسعال.
وخلال فترة عمله في مجال العطارة التي تتجاوز 37 عاما، ورث المهنة أبًا عن جد، ليعتمد على الوصفات العلاجية المتوارثة، لتقديم النصيحة المناسبة للزبائن، مضيفًا "مع مرور السنوات، أصبح البحث والعلم وسؤال الأطباء الذين يتابعون وصفات الأعشاب ويقدمونها جزءا من علاج بعض الحالات المرضية، هو مصدر لتقديم النصيحة لاستخدام الأعشاب والنسب المحددة لكل حالة مرضية، فضلًا عن أن الممارسة والخبرة اليومية تضيف للعاملين في مجال العطارة".
وأكد المهندس محمد جعفر، صاحب أحد محال الأعشاب والصمغ العربي، في حديثه مع بوابة "العين"، أن الإقبال من الزبائن والمشترين مستمر وفي تزايد، لا سيما وأن شركات الأدوية هم جزء من الزبائن المقبلين على شراء الصمغ العربي، المعروف بأهميته العلاجية لتكوينه من ألياف غذائية كثيرة، ويعد عنصرا وقائيا من أمراض المعدة والقولون، فضلًا عن شراء الأعشاب المعروفة بقيمتها العلاجية والدوائية، مشيرًا إلى أن نسبة الإقبال في تزايد بنسبة 10%.
كما قال محمد سيد، صاحب الـ28 عاما، إن الأعشاب منذ قديم الزمن، هي الطب البديل، خاصة أن بعض الأنواع تستخلص منها أدوية، وتدخل في تركيبات بعض المستحضرات التجميلية والعلاج للأمراض المتنوعة مثل أمراض الكحة وقرحة المعدة.
ورغم صغر سنه، إلا أن محمد العطار يعمل بالمهنة منذ 15 عاما، ليذكر أن مستوى سوق العطارة تأثر بالظروف الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، ليعاني تجار العطارة والأعشاب من زيادة الأسعار، مرجحًا أن هذا السبب يؤثر على درجة إقبال الزبائن، ويضعهم في مأزق بين نقص الأدوية وارتفاع أسعارها من جانب، وارتفاع أثمان العطارة بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصري من جانب آخر.
وقديمًا كان الفراعنة هم أول الشعوب التي استخدمت الأعشاب والطب البديل في علاج عدة أمراض؛ حيث تمكنوا من اكتشاف المخدر لإجراء العمليات الجراحية، واستخلصوا المادة المخدرة من حجر الرخام مع إضافة خل، في تكوين "البنج"، كما استخدموا أعشاب الينسون، والنباتات في علاج الصلع، وأمراض المعدة، والجهاز الهضمي.
أنواع الأعشاب وأسعارها
وخلال الـ5 شهور الأخيرة، تضاعفت أسعار العطارة والأعشاب، بزيادة قدرها بعض التجار بأكثر من ضعف الثمن، ليضيف أشرف محمد، أحد العاملين بالعطارة منذ 25 سنة، قائلًا: "منذ عملي بالعطارة، لم ألمس هذه الزيادة في السوق سوى هذا العام؛ حيث تضاعفت أسعار الأصناف المستوردة، والأصناف المحلية، بين 80- 100% في الكيلو الواحد".
ليقسم الأصناف والأعشاب بين المستورد والمحلي، لتتراوح أسعار الأعشاب المستوردة القادمة من دول المغرب العربي، ونيجيريا، والسودان، والهند، وسوريا مثل "التليو" من 120 جنيهًا للكيلو الواحد، وترتفع إلى 300 جنيه في الوقت الحالي، كما ارتفع سعر الكراوية، وهي أصناف مخصصة لعلاج المعدة لدى حديثي الولادة والرضع، من 20-45 جنيهًا للكيلو الواحد، بالإضافة لارتفاع سعر الزنجيبل الهندي بنسبة 25%، بينما أصبح سعر حبة البركة المستوردة من نيجيريا وسوريا أكثر من ضعف الثمن القديم.
وحول أسعار الأعشاب المحلية التي يجلبها التجار من البحر الأحمر، وصعيد مصر، والنوبة، ارتفع سعر عشب "الزيتونة الإسرائيلي" القادمة من العريش، جنوب سيناء، من 80–100 جنيه"، بينما كانت الأسعار قبل الزيادة من 20-30 جنيها، كما طالت الزيادة أعشاب الشمر، البابونج، النعناع، الينسون، ولبان الدكر، وحبة البركة، وورق الجوافة محلية الإنتاج، والزعتر، والسلامكة أكثر من 20% للكيلو الواحد.
وتعد أعشاب التخسيس، هي واحدة من الأصناف التي يقبل عليها المشترون، لتعد خلطة التخسيس المكونة من البردقوش، والنعناع، وعرقسوس، وسلامكة، ورجل الأسد، والراوند الهندي، هي الأعشاب الأكثر رواجًا، بالإضافة للأعشاب المضادة لأمراض البرد والمعدة، والقولون، والحصوات التي تصيب الكلي والمسالك البولية، والأخرى المساعدة على تقوية العظام.
طبيعة الزبائن
ويتنوع المشترون من حيث الطبقات والمستوى الاجتماعي والثقافي، ليعلق أحد تجار العطارة، أن شراء الأعشاب والإقبال عليه لا يرتبط بمستوى اجتماعي، بقدر ما يرتبط بمستوى ثقافي وتعليمي، موضحًا أن المستهلكين ذوي ثقافة عالية ومستوى تعليمي كبير، هم شريحة كبيرة تقبل على شراء الأعشاب، نظرًا لدرايتهم بفوائد الأعشاب وتأثيرها على الجسم، مقارنة بالأدوية والعلاج الكيميائي الذي يؤدي لأثار سلبية على أجهزة الجسم.
وفي الوقت نفسه، أكد محمد العطار على الفكرة نفسها، بشأن طبيعة المترددين على محال الأعشاب والعطارة، منوهًا إلى أن الزبائن ينتمون لطبقات اجتماعية متنوعة، ومستويات دخول تتراوح بين محدودي الدخل ومتوسطي الدخول.
ليتردد أصحاب شركات الأدوية، ومراكز الغسيل الكلوي، على الصمغ العربي لاستخدامه كجزء من تغليف العديد من الأدوية، ويلجأون لملح النطرون الذي يعد علاجا وقائيا للأمراض الجلدية، كما تدخل بعض الأعشاب ضمن المحلول العلاج لمرضى الفشل الكلوي، وفقًا لما شرحه محمد جعفر، مؤكدًا أن الأشخاص المعتادين على استخدام الأعشاب كوسيلة للوقاية هم زبائن دائمون لا يستغنون عن الأعشاب مهما تقدم الطب والدواء.
هل تستبدل الأدوية بالأعشاب؟
وحول إمكانية أن تحل الأعشاب محل الأدوية في تداوي بعض الأمراض، يستكمل جعفر قوله، بأن التركيب الصحيح والاستخدام الأمثل للأعشاب، هي عوامل مؤثرة في درجة الإقبال، خاصة أن التداوي بالأعشاب لم يكن من قبيل الصدفة.
بالرأي نفسه، اتفق محمد العطار معه، قائلًا: "طول الوقت الأعشاب طب بديل، ولم تتراجع في أي فترة"، ليؤيده أحد التجار ، معلقًا: "الاعتماد على العطارة، هي العودة للطبيعة"، متمنيًا أن تحل الأعشاب بديلا للأدوية، ليس من أجل مستقبل مهنة العطارة، ولكن بهدف العودة للمواد غير الكيميائية والأدوية.